المداخل النظرية لدراسة المشكلات الاجتماعية.. التركيز على الجانب الاجتماعي والابتعاد عن المشكلات الشخصية المرتبطة بالمشكلات النفسية



المداخل النظرية لدراسة المشكلات الاجتماعية:

إن الكثير من المشكلات الاجتماعية ظاهرة واضحة للعيان ولا يختلف عليها الناس، فالفقر مشكلة.. والكل يعلم هذا ويبغضه، والأمية مشكلة.. وغالبية الناس تعلم هذا وتستنكره، والجرائم بكل أنواعها جزء من المشكلات الاجتماعية التي توجد في كل المجتمعات بدرجات متفاوتة.. والكل يستنكرها.. بدرجة أو بأخرى.

تعاطي المخدرات:

وانتشار تعاطي المخدرات بين الشباب، في كثير من المجتمعات مشكلة خطيرة.. والكبار في تلك المجتمعات يحاولون جاهدين إيقاف سيلها.. الخ.

كل هذه المشكلات وغيرها كثير مشكلات ظاهرة وواضحة ولكن هناك أنواعا من المشكلات الاجتماعية خافية وغير واضحة للكثيرين منا.
وهذا لا يعني أنها غائبة أو غير موجودة أو غير خطيرة.

حوادث السيارات:

وعلى سبيل المثال فإن هناك مشكلة الأعداد الكثيرة من الناس الذين تقتلهم حوادث السيارات على الطرقات كل عام، ورغم ذلك فإن الناس يخافون من ركوب الطائرات اعتقادا منهم بأنها أكثر خطرا من السيارات، على الرغم من أن الإحصاءات قد أثبتت أن عدد القتلى من حوادث الطائرات أقل بكثير جدا من أعداد الذين يقتلون في حوادث السيارات.

ولو نظرنا إلى دول الخليج العربي وملايين من السيارات التي تجوب طرقاتها، ومئات الحوادث التي تقع، وأعداد الضحايا الذين يذهبون نتيجة لها، وآلاف المصابين الذين يعيشون بقية أعمارهم، وهم معوقون جسميا بسبب هذه الحوادث. إذا نظرنا إلى كل ذلك وضح لنا  جدا هذا المثال.

ومع ذلك فهل يعتقد الكثيرون منا بأن هناك مشكلة خطيرة ذات صفة مجتمعية، بسبب سوء قيادة السيارات..؟؟

الحقيقة أن المشكلة هناك بالفعل، ونتائجها الخطيرة واضحة ومحددة في غرفة العمليات وفي تقارير الشرطة ودوائر المحاكم، ولكن القناعة بها قد لا تكون ظاهرة أو واضحة للعيان.. كمشكلة اجتماعية خطيرة، ومن هنا فهي مشكلة اجتماعية كامنة.

من خلال ما تقدم يمكن أن نستنتج أن النـاس من خلال رؤيتهـم العامـة للمشكلـة، أو من خلال عدم إحساسهم بها يعبرون عن تصوراتهم وقناعاتهم.

فلو أننا أخذنا عينة من أفراد المجتمع  وسألناهم عن خطورة الطائرة وركوبها، وعن مقارنتها بالسيارة لجاءتنا الإجابة سريعا بأن الطائرة هي المشكلة بحوادثها وأهوالها. ومعنى ذلك أن المشكلة هناك. ولكنها قد تخفى على الناس.

برامج التلفزيون الغير ملتزمة:

ونفس الكلام يمكن أن ينطبق على برامج التلفزيون الغير ملتزمة في بعض البلاد، والتي قد تؤدي إلى انحراف الكثيرين من الشباب، فالناس قد لا يحسون بهذه الخطورة الكامنة فيها، ورغم ذلك فهي هناك تفعل فعلها في عقول الشباب وأحاسيسهم، وفي توجيههم نحو الجريمة والانحراف.

ومما لاشك فيه أن الكاتب المنحرف، أو الغير ملتزم يكون أثره مساويا لمثل هذه البرامج السيئة التي يذيعها التلفزيون أو يبثها للمشاهدين، ورغم هذا فقد لا يدرك المجتمع ـ للوهلة الأولى ـ خطورة وجود عدد من الكتاب يكتبون في صحفهم ومجلاتهم، فينحرفون بالشباب في متاهات سحيقة قد تقودهم إلى طريق الجريمة والخروج على قيم الجماعة ومعاييرها السلوكية التي ارتضتها لنفسها.

ومن هنا نجد عددا من النظريات العلمية التي حاولت أن تفسر المشكلات الاجتماعية، والتي  ركزت على الجانب الاجتماعي، كي تبتعد بها عن المشكلات الشخصية.

تداخل المشاكل:

فالمشكلات الاجتماعية تتعامل مع مشكلات تتعلق بأعداد كبيرة من أفراد المجتمع، وبالمشكلات التي تعترض حياتهم، أو ينغمسون فيها، أما المشكلات الشخصية Personal Problems فتتعلق بالأفراد، وغالبا ما تكون مرتبطة ببعض المشكلات النفسية Psychological.

وعلى ذلك فإن هذه النظريات ـ كما سوف يتضح لنا ـ تميل إلى التفسير الاجتماعي للمشكلة، أكثر من ميلها للتفسير النفسي.