الحروب الصليبية.. تأمين طريق الحجاج إلى فلسطين والاحتكاك بالحضارة الإسلامية والفلاسفة العرب وانتقال الحضارة العربية إلى الغرب

كان السبب في قيام الحروب الصليبية هو الرغبة في تأمين طريق الحجاج إلى فلسطين بعد أن وقعت معظم الأماكن المقدسة في أيدي العرب.

وقد كانت لهذه الحروب أهمية كبرى في الكشف الجغرافي، إذ مكنت الشعوب الأوروبية من الاحتكاك بالحضارة الإسلامية وبالفلاسفة العرب؛ الأمر الذي أدى في النهاية إلى انتقال الحضارة العربية إلى الغرب.

ومع الحروب الصليبية ازدهرت كثير من المدن التجارية في إيطاليا كـ"جنوة" و"بيزا" و"فينيسيا"، وغيرها من المدن الإيطالية التي استفادت من عمليات نقل معداتها، بالإضافة إلى النشاط التجاري الذي صاحب الحروب الصليبية، والذي أدى إلى نشاط الملاحة في البحر الأبيض المتوسط.

وكان من نتائج الحروب الصليبية وازدياد النشاط التجاري أيضاً أن اتجهت كثير من الرحلات إلى مناطق خارج نطاق البحر المتوسط.
ومن ثم أعيد اكتشاف كثير من جزر المحيط الأطلسي المجاورة للساحل الغربي لإفريقيا.

وهكذا يتضح لنا من دراسة الكشوف الجغرافية في العصور الوسطى أو في الفترة السابقة للكشوف الجغرافية الكبرى التي قام بها البرتغاليون والأسبان في عصر النهضة، أن هناك ثلاث مجموعات بشرية كانت وراء تشكيل خريطة العالم، وإضافة معلومات جديدة إلى التراث الجغرافي وهذه المجموعات هي:

- أولاً: الجماعات النصرانية المتمركزة في أوروبا التي لم تستطع أن تسهم في تطوير الخريطة سوى بمحاولتها الالتجاء إلى التوراة أو الإنجيل لتتخذ منه أساساً لكتاباتها الجغرافية التي لم تهدف إلى البحث عن الحقائق العلمية الجديدة بقدر ما هدفت إلى تثبيت المعتقدات النصرانية.

وهكذا اتخذت هذه الجماعات من القدس مركزاً للعالم الكروي الذي يحيطه بحر الظلمات.

ونجد كذلك بعثات التبشير التي أرسلت من أوروبا إلى بلاد المغول على أمل أن ينجحوا في ضمهم إليهم بعد اعتناقهم الدين النصراني لكي يصبحوا قوة واحدة أمام العالم الإسلامي المتمركز في منطقة الشرق الأوسط.

- ثانياً: أما المجموعة الثانية فهي تلك التي تركزت في شبه الجزيرة العربية، واتخذت من الدين الإسلامي حافزاً للرحيل والانتقال.

كما اتخذت من كتابات بطليموس والإغريق دستوراً لسلوكه عبر القارات، ومن الكعبة والحج مكتبة ثقافية تجمع منها بواسطة الكلمة ما يرويه الحجاج أو يسمعونه في أثناء رحلة الطريق، هكذا.

وقد اتخذ المسلمون من كل هذه الأشياء دوافع للخروج بخريطة العالم من النطاق الإغريقي الروماني المكوَّن أساساً من حوض البحر الأبيض المتوسط إلى مجالات جديدة، وآفاق أوسع إلى شمال البحر الأبيض المتوسط وإلى سافنا السودان في الجنوب وإلى قلب آسيا في الشرق.

غير أنَّ هذا التوسُّع لم يحمل بين طياته الطابع العلمي بمعني الكلمة، إذ كانت النجوم والكواكب مرشد الرحلة وموجِّهها.

كما كانت ضروب الصحراء هي مسالكها، والجمال هي وسيلتها، كما كان المقياس هو اليوم أو بضع يوم حسب حال البيئة وحسب الإمكانات المتعددة التي يجدها الرحالة في طريقه.

- ثالثاً: بالنسبة للمجموعة الثالثة، وهم جماعات الفيكنج (The Vikungo) ومعناها قراصنة البحار أو رجال الشمال، فلم يظهروا على المسرح الجغرافي إلا في أواخر القرن العاشر الميلادي، واتسم نشاطهم بركوب البحر والإغارة والتجوال في مناطق كانت الرحلة إليها محدودة، ومن ثم فقد اندفعوا من السويد شرقاً عبر البلطيق إلى دول أوروبا الشرقية.

كذلك خرجوا من النرويج هرباً من فقر البيئة نحو المحيط الأطلسي وأخذوا يهددون انجلترا ويغيرون على فرنسا وعلى البحر الأبيض المتوسط إلى أن انتهى بهم المطاف للوصول إلى جزيرة آيسلنده وجرينلند ونيوفوندلاند، ومن ثم للساحل الشرقي لأمريكا الشمالية حتى فلوريدا جنوباً حيث سجلوا بذلك قصب السبق في الوصول إلى العالم الجديد قبل كولمبوس.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال