دراسة وتحليل قصيدة ماذا يقول النهر لنازك الملائكة.. من الأقصوصة إلى الأغنية إلى التسبيحة والسر وهذا تطور من السهل إلى الغامض وكأنه ارتقاء إلى عالم الصوفية

دراسة وتحليل قصيدة ماذا يقول النهر لنازك الملائكة:

المضمون:

وقفت الشاعرة مع صديقتها تتأمل مساء نهر دجلة, فسألتها صديقتها سؤالا شاعريا:
"ماذا يقول النهر" ؟
فتجيب نازك وهي تستعيد السؤال كل مرة:
فمرة تتخيل النهر يحكي أقصوصة, ومرة ينشد أغنية ومرة يرتل تسبيحه وفي الختام فان النهر يردد سرا ولهذا فالأحرى بصديقتها ألا تسأل.
فتفصل نازك تصوراتها على الشكل التالي:

القصة التي يرويها النهر (المقطوعة الأولى) منسوجة من عناصر:

  • تراقص ضوء القمر على صفحة الماء.
  • غزل ناعم بين النخل والمنحدر.
  • نور مصباح يقدم الحرارة في الظلمة ويبعث النشاط في الشجر.
  • وقع مجداف يشق النهر في الليل خفيفا.
وهذه الصور جميعا مستمدة من واقع النهر في الطبيعة التي حوله.

والأغنية التي ينشدها النهر (المقطوعة الثانية) هي:

  • قديمة مرت عليها ليال طوال.
  • حزينة أسيانة غناها عاشق في ليلة جميلة مطربة.
  • دفيئة وتحمل في ألحانها بعض حنين العرب (متجسدا بحنين الجمل وخشوع الهودج في الظلمة وصوت الأقدام الثقيلة - أقدام الذين يقودون القوافل ويغنون لها).

والتسبيحة التي يرتلها النهر (المقطوعة الثالثة):

من بابل وهي منتشية بالبخور الذي يحرقه موكب الكهنة في المعبد. فنهر دجلة والصخور هناك تخفي جميعها أسرار هذا المعبد المقدس. والنهر يستعيد ذكريات الزمان عن بابل (مدينة الشمس) وعن قائدها حمورابي وحبة العظيم للإله (الشمس) وعن تقلبات الزمن الغدار.
وهذه الصور جميعها مستقاة من تاريخ العراق حيث يبعث هذا التاريخ الاعتزاز في نفس الشاعرة.

وفي المرة الرابعة:

تطلب الشاعرة من صديقتها ألا تسال ماذا يقول النهر لتدع غلاق السر كثيفا وعميقا فجمال الشيء في أسراره وغموضه. ثم تضرب مثلا أن جمال الزنبق في أسراره (التي يضيفها اللون والرائحة) فلو كشف الزنبق هذه الأسرار وعرفنا أقسامه لم يبق أي معنى لرائحته الزكية.
ونلاحظ أنها مهدت لموضوع السر في التسبيحة فجعلت الصخور تخفي سر المعبد كما يخفيه النهر , وقد سبق أن أشارت إلى رواية النهر على شكل قصة أو أغنية أو تسبيحة وفي هذه الروايات لم تقل شيئا واضحا محددا بل بقيت الصور شبه غامضة.

الوسائل الفنية:

  • القصيدة منظمة فمن الأقصوصة إلى الأغنية إلى التسبيحة وثم السر, وهذا تطور من السهل إلى الغامض وكأنه ارتقاء إلى عالم الصوفية.
  • لازمة (ماذا يقول النهر) وقد كررتها الشاعرة كل مرة حتى تظهر لنا انفعالها بالسؤال ولتفتح بواسطتها مجالا آخر للوصف والخيال.
  • القصيدة من الشعر التصويري حيث إن الرسام يستطيع أن يقدم لوحات من وحي كلمات الشاعرة.
  • نوعت الشاعرة في القوافي في المقطوعات الأربعة إلا أنها حافظت على الشعر العمودي .
والقوافي كانت مقيدة وهذه السكون مستمدة من نفسية الشاعرة المتألمة.

اللغة والالفاظ:

1- الصور البيانية:

فمن التشبيهات البليغة: الجمال كاس, البخور عطر, الزمان سفر.
ومن الاستعارات: النهر ينسج, ضوء القمر يرقص, النخل يداعب, النور يغذي ويستشير الشجر، النهر له صدر والمجذاف له خطى, الليل سكران, الهودج يخشع, ودجلة يطوي سرا والصخور تطوي سرا.. وهي من التشخيص.

2- الحس المتزامن:

وهو ما يدل على المدرك الحسي أو يصفه بحاسة معينه بلغة حاسة أخرى: غزل ناعم, مثقلة بالدفء, وقع المجذاف خفيف, 
أحدث أقدم

نموذج الاتصال