تحديد الضمان بالنسبة للأشخاص المسؤولين.. عقد التأمين للمسؤولية المدنية لمبرمه ومالك العربة يستثني مسؤوليتهم عند قيادتهم لهذه العربة



لقد عرف النظام القانوني السابق من خلال الفصل الأول من أمر 30 جانفي 1961 المؤمن له بأنه: مكتتب عقد التأمين ومالك العربة وكل شخص مكلف بموجب رخصة منهما بحراسة العربة أو سوقها، في حين لم يتضمن القانون الجديد هذا التعريف.

وهذا السكوت يقودنا حتما إلى التساؤل عن أمرين اثنين:
يتعلق الأول بالصفة التي سيتخذها المالك أو المكتتب لعقد التأمين عندما يكون راكبا بالعربة التي هي على ملكه أو العربة التي اكتتب عقد تأمينها ويتعلق الثاني بشخص المؤمن له الذي اكتتب عقد تأمين بغاية تغطية ما يترتب عن مسؤوليته المدنية أو مسؤولية من أذن لهم بقيادة عربته أو حراستها.

فعن التساؤل الأول، تردد المتصفح للقانون الجديد في تحديد وضعية المؤمن له مالكا كان أو مكتتبا لعقد التأمين أو حارسا للعربة التي عهد بها إليه عندما يكون راكبا غير سائق لها: هل بقي محروما من الضمان باعتباره " المؤمن له" كما كان في القانون السابق، أم أضفى عليه القانون الجديد صفة المتضرر متجاهلا بذلك صفته الأولى التي كانت سببا في حرمانه من التعويض.

لقد أقر القانون الجديد صفة المتضرر لهؤولاء الأشخاص تماشيا مع التوجه الذي اتخذه النظام الفرنسي من خلال فقه القضاء أولا.

(Arrêt Tranchant cass civ 27 nov 1979.d.80 p37) ثم القانون ثانيا اثر الأمر الصادر في 9 جوان 1983 الذي ألغى الفصل R.211.6 الذي كان يستثني هؤلاء الأشخاص من الضمان.

أما التساؤل الثاني والمتعلق بموضوع تأمين مسؤولية المؤمن له أو مسؤولية من أذن لهم بقيادة العربة أو حراستها يمكن الجزم فيه بأن أذن المؤمن له أصبح غير ضروري، وأن الأضرار التي يحدثها السائق بدون إذن أو التي يرتكبها حتى سارق العربة أصبحت مغطاة بصفة آلية بحكم عدم إشارة المشرع إلى وجوب توفر ذلك الإذن كما كان الحال في النص السابق حيث نصت الفقرة الثالثة من الفصل 110 من مجلة التأمين على أن عقد التأمين "يغطي المسؤولية المدنية لمبرمه ومالك العربة وكل شخص يتولى حفظها أو سياقتها".

فمالك العربة الذي انتزعت منه عربته بفعل السرقة لا يعد حارسا. فمن فقد مقومات الاستعمال والرقابة والإدارة فقد الحراسة، كما بين ذلك القرار الشهير الصادر عن الدوائر المجتمعة الفرنسية بتاريخ 2/12/1941 والمعروف بقرار franck   لذا اعتبرت هذه المقومات الثلاثة المعيار الحصري لتحديد الحراسة، وبالتالي أصبح السارق أو السائق بدون إذن حارسا للعربة بمجرد حصوله على هذه المقومات.

ففي ظل القانون القديم كان يحق للمؤمن أن يرفض توفير الضمان في صورة سياقة العربة من طرف السارق أو من طرف شخص غير مأذون له من المالك أو من مكتتب عقد التأمين بسياقة العربة أو حراستها، فعقد تأمين السيارات هو في واقع الأمر عقد تأمين مسؤولية يغطي مسؤولية المؤمن له إن ثبتت ولا يغطي بالتالي مسؤولية سواه. ومن باب أولى وأحرى الأشخاص غير المأذون لهم بسياقة العربة أو سارقوها.

فكيف أصبح المؤمن يغطي مسؤولية من لم يكتتب معه عقد التامين، فهل تغيرت ماهية عقد التأمين الإلزامي للسيارات من عقد لتأمين مسؤولية المالك أو لمكتتب عقد التأمين إلى عقد تأمين أضـرار؟

صحيح بأن التشريع المقارن ونعني بذلك القانون الفرنسي ، توخي هذا التوجه غير أنه تعمد الإشارة إلى ذلك صراحة من خلال الفصل 8 من قانون 5/7/1985 الذي ينص "بأن عقود التأمين التي تغطي المسؤولية المدنية المشار إليها يجب أن تغطي أيضا المسؤولية المدنية لكل شخص يتولى سياقة العربة أو حراستها حتى ولو بدون إذن".

ثم أردف في الفقرة الموالية قائلا "بأنه يحق للمؤمن أن يحل محل الدائن بالتعويض (أي المتضرر) ضد المسؤول عن الحادث الذي تولى سياقة العربة أو حراستها دون إرادة مالكها. أي أعطى مالكها للمؤمن حق الرجوع ضد المسؤول عن الحادث.

لقد اختار المشرع الفرنسي هذه الطريقة بغاية تسهيل عملية التعويض لمتضرري حوادث المرور بواسطة العربات المسروقة، حتى لا يتعرض هؤلاء المتضررون إلى الإجراءات الطويلة والعويصة التي يتطلبها إدخال صندوق ضمان السيارات.

وبهذه الصورة، اعتبر شراح القانون بان عقد تأمين السيارات أبقى على ماهيته الحقيقية، ألا وهي تأمين مسؤولية المؤمن له دون سواها ولم ينوي بالمرة توفير معاملة تفاضلية للسارق كما ذهب في ظن البعض.

وكان يستحسن أن يتخذ القانون التونسي نفس التوجه بتمكين المؤمّن من هذا الحق، غير انه لا شيء يمنع مبدئيا من رجوع المؤمن ضد المتسبب في الحادث الذي استعمل العربة دون إرادة صاحبها حتى في صورة عدم وجود نص صريح يسمح باتخاذ هذا الإجراء.

وبذلك يمكن القول بأن مجال الضمان اتسع ليشمل الحوادث الحاصلة دون إرادة المؤمن له ودون إذنه، أما فيما يتعلق بالأشخاص المتعاطين لمهن تصليح العربات أو صيانتها أو الاتجار فيها، فقد أوضح النص الجديد أمرين اثنين هامين.

الأمر الأول: إن عقد التأمين للمسؤولية المدنية لمبرمه ومالك العربة يستثني صراحة تأمين مسؤولية أصحاب هذه المهن إذ نص على استثناء تغطية مسؤوليتهم بمقتضى هذا العقد، وهذا الاستثناء لم يكن صريحا في النص السابق الذي اكتفى بإلزام أصحاب هذه المهن بإبرام عقد تأمين خاص يضمن مسؤوليتهم ومسؤولية تباعهم بمناسبة نشاطهم، مما أثار العديد من النزاعات بخصوص انتفاء الضمان من عدمه في صورة ارتكاب حادث مرور من طرف مصلح ميكانيكي كان يقود العربة التي عهد بها إليه لإصلاحها أو لصيانتها.

الأمر الثاني: أكد القانون الجديد ما نص عليه القانون القديم من وجوب تأمين المسؤولية المدنية لأصحاب هذه المهن بمناسبة سياقة العربات المعهود بها إليهم أو حفظها وذلك في نطاق عملهم.

ويعتبر هذا تأكيدا للاستثناء المشار إليه سابقا حتى يدرك أصحاب هذه المهن بأن عقد تأمين السيارة المعهود بها إليهم لا يغطي مسؤوليتهم عند قيادتهم لهذه العربة ويتعين عليهم بالتالي إبرام عقد تأمين خاص يضمن مسؤوليتهم بمناسبة تعاطيهم لنشاطهم والمعروف بعقد تأمين مسؤولية أصحاب الورشات ASSURANCES RC GARAGISTE.