المنهج الغرضي.. منهج جامع في أصوله النظرية بين الاهتمام بالبعد النفسي في دراسة الأدب والاستناد إلى البعد اللغوي البنائي



المنهج الغرضي:

يمكن أن نعدّ مقدّمة الشعر والشعراء لابن قتيبة أولى لبنات المنهج الغرضي في تاريخ الفكر الأدبي وهو منهج جامع في أصوله النظرية بين الاهتمام بالبعد النفسي في دراسة الأدب والاستناد إلى البعد اللغوي البنائي.

دراسة القصيد القديم:

وهو من المناهج المهمّة الممكن الاستناد إليها في دراسة القصيد القديم بما هو جنس شعري غرضي: فالطاقة الموجّهة لشعريّة القصيد هي أوّلا الغرض الشعري وهي طاقة نفسيّة ونيّة قول أو مقصد قول يتمّ تصريفها لغويا وفق الأعمال القوليّة المكوّنة لكلّ غرض.
ويكون كلّ غرض عنصرا من عناصر هذه الطاقة العامّة ويكون فاعلا فيها بالقدر الذي يخدم الوجهة العامّة للقصيد.

قوة الغرض الفخري:

وإذا تناولنا على سبيل المثال الفخر بما هو غرض نفسي عامّ وسلوك لغوي وثقافي شائع في البيئة القديمة ومحرّك للقصيد في أغلب بناه الأغراضية فإنّنا نلحظ أنّ عامّة الشعر العربي البدوي في أنواعه المختلفة المتقاربة: شعر القبائل وأصحاب المعلّقات وشعر الجوّالين المتردّدين على ملوك بصرى الشام والحيرة و شعر المراثي وشعر القرى وشعر الصعاليك هي جميعها تستند إلى قوّة قوليّة واحدة هي قوة الغرض الفخري.
ولهذا الغرض بعد اجتماعي  متلوّن لا محالة بتلوّن الغرض الفرعي لكنّه في جميع الأحوال لا يعتني بالجميل من القول بقدر ما يعتني بالنافع و المحققّ للقوّة النفسيّة داخل المجتمع أو خارجه (شعر الصعاليك)، هو القوّة القولية المثبّتة للقيم.

العلاقة بين المباني والمعاني:

وقد ألحّ ابن طباطبا في عيار الشعر مثلا على الصلة الوثيقة بين المباني والمعاني وعلى تأثير الغرض في الوجهة الفنيّة للقصيد، وقد بنيت أصنافيّة  الشعر عندهم على الغرض العامّ (الرغبة و الرهبة و الطرب والغضب) الباعث على الأغراض الفرعيّة الناظمة للمعاني وفق المباني المؤلّفة للعبارة الشعريّة.
إنّ العودة إلى أصول هذا التيّار الأدبي تساعدنا على تأصيل هذا المنهج وإثرائه بمقولات النقد الغرضي في العصر الحديث.

النظرة النصّانية للأدب:

وفعلا فإنّ هذه المقولات تعارض النظرة النصّانية للأدب وقد استند أصحابها مثل  جورج بولي (Gorges Poulet) وجان روسي (Jean Rousset) جان ستاروبنسكي (Starobinski) إلى أعمال قاستون باشلار وتذهب هذه الرؤية الغرضية إلى أنّ الكتابة الأدبيّة ليست بصناعة لفظيّة أو أسلوبيّة على نحو ما يرى الشكلانيون وأصحاب النقد الجديد وعامّة البنيويين من إنشائيين ونصّانيين وإنّما الكتابة الأدبيّة أو القول الأدبي عموما هي أوّلا تجربة نفسيّة أو روحية.