تاريخ دخول الإسلام إلى تشاد: فجرٌ جديد في قلب إفريقيا
قبل بزوغ فجر الإسلام، كانت منطقة تشاد غارقة في ظلمات الوثنية، وتحديدًا ما يُعرف بـ الإحيائية، وهي معتقدات تقوم على الإيمان بوجود أرواح في كل مظاهر الطبيعة والأشياء، مصحوبة بخرافات وأباطيل لا تمت بصلة إلى أي دين سماوي. في ظل هذا الجهل الروحي والبعد عن الصراط المستقيم، انبعث نور الإسلام ليصل إلى هذه الديار، مُبشرًا بعقيدة التوحيد والهداية.
الفتح الإسلامي وبداية الانتشار: قدوم عقبة بن نافع
شهد القرن الأول الهجري (القرن السابع الميلادي) وصول الجيوش الإسلامية إلى منطقة تشاد، حاملةً معها رسالة الإسلام السمحة. يُحدد المؤرخون، ومنهم الشاطر البصيلي، هذه المرحلة المفصلية بدقة. يذكر البصيلي أن القائد الفاتح عقبة بن نافع، المعروف بفتوحاته في شمال إفريقيا، قاد قوة من الجيش العربي في عام 666 ميلادية (الموافق للقرن الأول الهجري) متجهًا جنوبًا وسط الصحراء. وصل عقبة بن نافع بجيشه إلى منطقة كوَّار في تبستي، الواقعة شمال حوض تشاد. ورغم أنه عاد من هناك لعدم وجود مرشد خبير للطريق إلى الجنوب، إلا أن وصوله يُمثل نقطة البداية لدخول الإسلام إلى هذه المنطقة، مؤكدًا أن الإسلام بدأ رحلته نحو تشاد منذ الفتح الإسلامي على يد هذا القائد العظيم.
انتشار الإسلام وإسلام ملوك كانم: نقطة تحول تاريخية
لم يكن دخول الإسلام إلى تشاد حدثًا فوريًا شاملًا، بل بدأ بالانتشار تدريجيًا في كافة الأراضي التشادية. كانت نقطة التحول الكبرى عندما اعتنق ملوك مملكة كانم، التي كانت وثنية آنذاك، الإسلام في القرن الخامس الهجري (القرن الحادي عشر الميلادي). هذا التحول كان له أثر عظيم، حيث أصبح الإسلام دين الدولة الكانمية الرسمي.
مع إسلام الملوك، تحولت بوصلة الحكم نحو نشر الدعوة الإسلامية في أرجاء البلاد. بدأ الحكام الجدد في:
- دعوة الناس إلى الإسلام: من خلال التوعية والتبشير بمبادئه السمحة.
- تطبيق الشريعة الإسلامية: وهو ما أرسى قواعد العدل والنظام الاجتماعي وفقًا للمبادئ الإسلامية.
نتج عن هذه الجهود ازدهار واسع للحضارة الإسلامية في هذا القرن. انتشرت الثقافة الإسلامية وتعمقت جذورها، وأصبحت اللغة العربية لغة العلم والإدارة والتواصل. هذا الازدهار لم يكن ليتحقق لولا فضل الله تعالى، ثم بفضل الجهود المخلصة والتفاني الذي أبداه هؤلاء الملوك بعد اعتناقهم الإسلام، حيث أدركوا قيمة الدين الجديد وعملوا على نشره وترسيخ مبادئه.
ترسيخ الهوية الإسلامية: العلم والعلماء في صدارة الاهتمامات
تجسدت الجهود الحقيقية لهؤلاء الملوك في محاولتهم الجادة لتطبيق الشريعة الإسلامية في كافة مناحي الحياة. ولم يقتصر اهتمامهم على الجانب التشريعي، بل أولوا مكانة خاصة للعلم والعلماء. كانوا حريصين على:
- تقدير العلماء: وتشجيعهم على نشر المعرفة.
- حضور مجالس العلم بأنفسهم: وهذا دليل على إيمانهم العميق بأهمية العلم ودور العلماء في بناء المجتمع وتقدمه.
بهذه الجهود المتواصلة، ترسخت أركان الإسلام في منطقة تشاد، وانتشرت مبادئه وقيمه بين السكان. لقد ظل الإسلام في تشاد صامدًا، يقاوم أي دين جديد أو أفكار غريبة على مر العصور، واستطاع بفضل الله تعالى أن يحافظ على الهوية الإسلامية للشعب التشادي المسلم حتى يومنا هذا. هذه الهوية ليست مجرد انتماء ديني، بل هي نسيج ثقافي واجتماعي يربط الشعب التشادي بتاريخه العريق وقيمه الروحية.