دراسة نص معاذة العنبرية من كتاب البخلاء للجاحظ.. مميزات أسلوب الجاحظ والفلسفة الاقتصادية عند معاذة العنبرية



دراسة نص معاذة العنبرية من كتاب البخلاء للجاحظ

هذه القصة وردت في كتاب البخلاء للجاحظ تحت باب قصة أهل البصرة من المسجديين، أما الشيخ المذكور فقد كان أحد هؤلاء المسجديين الذين كانوا يجلسون في المسجد للتداول والتدارس في أمور الاقتصاد والتدبير والذي كان يعتبرهم الجاحظ بخلاء، فكان كل شيخ من المسجديين يسرد قصة مدّبرة كما هو الشأن مع هذا الشيخ الذي سرد قصة معاذة العنبرية.

ما هي الفلسفة الاقتصادية عند معاذة العنبرية؟

الفلسفة الاقتصادية هي عدم تضييع أي شيء من الأضحية لأن تضييع القليل يجر وراءه تضييع الكثير، ولهذا يجب عليها عدم تضييع القليل.

أعضاء الشاة، وكيف استعملتها معاذة:

1- القرن:

واستعملته معاذة كخطاف لتعلق عليه سرج الفرس ووعاء الماء، وكذلك تعليق كل الأشياء التي يخاف أن يصل إليها الفئران والحشرات.

2- المصران:

وتصنع منه معاذة الأوتار للمندفة وهي الآلة التي تستعمل لضرب القطن ليرق.

3- العظام:

تأخذ معاذة عظام الرأس (القحف) وعظام الفكّين وتغليهما في قدر ماء حتى تخرج من العظام رغوة دهنية، فتستعمل معاذة هذه الرغوة كزيت للقنديل أو كأكلة غير رئيسية يغمس بها، وتستعمل العظام أيضاً كحطب للنار بعد تجفيفه تحت الشمس.
فنار العظام شديدة وتسارع في تسخين الوعاء

4- الجلد:

تستعمله كقربة ماء.

5- الصوف:

كفراش أو لأشياء أخرى، فللصوف وظائف كثيرة.

6- الفرث:

وهي الأوساخ التي ببطن الشاة فتجففه معاذة وتستعمله كوقود للنار.

7- البعر:

وهي أوساخ الشاة وتستعمله كما تستعمل الرفث.

8- الدم:

استعملته  لتلطخ به القدور لتزيد من قوّتها ولكي لا تصدأ بسرعة.

نفسية معاذة العنبرية:

كانت نفسية معاذة العنبرية في البداية حزينة، حائرة وكئيبة، والسبب لأنها لم تعرف كيف ستتصرّف بلحم الأضحية وأجزائها المختلفة، خاصة وأن زوجها الذي له خبرة واسعة في هذه الأمور قد مات.

لكنها في النهاية أصبحت مسرورة، مرتاحة، لأنها نجحت بالاستفادة من لحم الأضحية وجميع أجزائها بما في ذلك الدم.

وقد اتهم الجاحظ في كتاب البخلاء هؤلاء الناس (أمثال معاذة) بالبخل، لكنهم دافعوا عن أنفسهم بأنهم مدبرون، مقتصدون.

التدبير:

ويعني الحرص والقدرة على الاستفادة من جميع الاشياء والموارد، كما يتضح ذلك من أقوال معاذة العنبرية، التي تعتقد أن جميع ما خلق الله له فائدة ومنفعة، وقد حرصت على أن لا تضيّع القليل، لأن تضييع القليل يجر تضييع الكثير.
وقد طبّقت معاذة هذه الاقوال في استخدام جميع أجزاء الشاة.

البخل:

هو المبالغة في التقتير والحرص معاً، مما يسبب الضرر والتعاسة.

شرح المفردات:

- إبان: وقت معلوم.
- تطلّقت: انشرحت وابتسمت.
- القيّم: الزوج (المسؤول عن تدبير الامور).
- الزُبلُ: وعاء من جلد كوعاء الماء.
- الكيران: الرحل او السرج.

مميزات أسلوب الجاحظ:

1- مزج السخرية مع الجدية.
2- استخدام الاسلوب القصصي (حوار، شخصيّات، إبراز فكرة التدبير).
3- استعمال بعض الغريب من الكلام.
4- توظيف الاستفهام.
5- استعمال التعجب.

قصة معاذة العنبرية:

قال الجاحظ في كتاب البخلاء:
ثم اندفع شيخ منهم فقال: «لم أر في وضع الأمور مواضعها وفي توفيتها غاية حقوقها، كمعاذة العنبرية».
قالوا: «وما شأن معاذة هذه»؟

قال: أهدى إليها العام ابن عمّ لها أضحية. فرأيتها كئيبة حزينة مفكّرة مطرقة، فقلت لها: مالك يا معّاذة؟ قالت أنا إمرأة أرملة وليس لي قيّم، ولا عهد لي بتدبير لحم الأضاحي. وقد ذهب الذين كانوا يدبّرونه ويقومون بحقّه. وقد خفت أن يضيع بعض هذه الشاة، ولست أعرف وضع جميع أجزائها في أماكنها. وقد علمت أن الله لم يخلق فيها، ولا في غيرها شيئا لا منفعة فيه. ولكن المرء يعجز لا محالة. ولست أخاف من تضييع القليل إلا أنه يجر تضييع الكثير: أما القرن فالوجه فيه معروف، وهو أن يجعل منه كالخطاف، ويسمّر في جذع من أجذاع السقف، فيعلق عليه الزّبل والكيران، وكل ما خيف عليه من الفأر، والنمل والسنانير، وبنات وردان، والحيّات، وغير ذلك. وأما المصران فإنه لأوتار المندفة، وبنا الى ذلك أعظم الحاجة. وأما قحف الرأس، واللحيان، وسائر العظام، فسبيله أن يكسر بعد أن يعرق، ثم يطبخ، فما ارتفع من الدسم كان للمصباح وللإدام وللعصيدة، ولغير ذلك، ثم تؤخذ تلك العظام فيوقد بها، فلم ير الناس وقودا قط أصفى ولا أحسن لهبا منه، وإذا كانت كذلك فهي أسرع في القدر، لقلة ما يخالطها من الدخان. وأما الإهاب فالجلد نفسه جراب. وللصوف وجوه لا تعد. وأما الفرث والبعر، فحطب إذا جفّف عجيب» .

ثم قالت: «بقي الآن علينا الانتفاع بالدم. وقد علمت أن الله، عزّ وجلّ، لم يحرّم من الدم المسفوح إلا أكله وشربه، وأن له مواضع يجوز فيها، ولا يمنع منها؛ وإن أنا لم أقع على علم ذلك حتى يرضع موضع لإنتفاع به، وصار كيّة في قلبي، وقذّى في عيني، وهمّا لا يزال يعودني».

قال: «فلم ألبث أن رأيتها قط طلّقت وتبسّمت. فقلت: «ينبغي أن يكون قد انفتح لك باب الرأي في الدم». قالت: «أجل ذكرت أن عندي قدورا شامية جددا. وقد زعموا أنه ليس شيء أدبغ، ولا أزيد في قوتها من التلطيخ بالدم الحار الدسم، وقد استرحت الآن، إذ وقع كل شيء موقعه».

قال: «ثم لقيتها بعد ستة أشهر، فقلت لها: كيف كان قديد تلك الشاة»؟ قالت: «بأبي أنت! لم يجيء وقت القديد بعد. لنا في الشحم والإلية والجنوب والعظم المعرّق وفي غير ذلك معاش. ولكل شيء إبّان».

فقبض صاحب الحمار والماء العذب قبضة من حصى، ثم ضرب بها الأرض، ثم قال: «لا تعلم أنك من المسرفين، حتى تسمع بأخبار الصالحين».