دراسة نص (كابوس في الظهيرة) لحسين عبد الخضر



دراسة نص (كابوس في الظهيرة)

لقد استطاع الكاتب من خلال هذا العمل المسرحي أن ينقل للقارئ المعاناة الإنسانية من جراء الحروب و لقد وفق في ذلك من خلال دور الأطفال حيث صور الكاتب أبشع نتيجة يمكن أن يتصورها الإنسان في مثل هذه المواقف في الحروب وهي موت الأطفال في الحرب وهم الذين يمثلون في الوجود البراءة ويمكن اعتبار موقف الرجال في الشارع و عدم اكتراثهم بما وقع  واستمرارهم في اللعب بالمقهى عاملا آخر يساهم في إبراز مدى المعاناة الإنسانية في مثل هذه الظروف..

مراحل القصة أو العمل القصصي الذي  تميزه الحالة البدائية:

الغاية الفنية التي من أجلها قدم الكاتب شخصية الأم بتلك النظرة التفاؤلية للحياة قبل الحادث هي اعتماد ما يسمى عادة بمراحل القصة أو العمل القصصي الذي  تميزه الحالة البدائية: حيث كانت الأم تعيش حياة سعيدة في بيتها ثم يأتي ما يسمى بعنصر التحويل: فبشكل مفاجئ، يقع خلل بهذه المعيشة وبعدها تأتي نتائج عنصر التحويل وغاب هنا عنصر التعديل وكانت الحالة النهائية محزنة.

هي دلالة خوف من المستقبل لوجود الشبيه في الخطر وهو فقدان زوجها وأخويها في حوادث مختلفة وهي رغبة طبيعية تغذيها عاطفة الأمومة وهي في نفس الوقت عقدة نفسية أسبابها الخوف من المصير المشترك لكل العراقيين.

سر بقاء الأم حية وموت أطفالها من الناحية الدرامية هو التأثير العاطفي الإنساني الذي كان يرمي إليه الكاتب، حيث إن المعاناة تزداد بحياة الأم أكثر من موتها ففي ذلك استمرار للألم و الحزن  فهذه الأم فقدت في الحياة كل شيء حتى الشارع صار لا يحتويها و كأنه ليس مكانا طبيعيا لها في عرف أصحاب الشارع... وهنا صارت المعاناة لا تنتهي و حالة الأم قد تغيرت فعلا بموت الأطفال لأنهم كانوا الأمل الوحيد الذي بقي لها و كانت تسعد بهم رغم أنها فقدت زوجها وأخويها قبل ذلك فهي في هذا الموقف انقطعت عن ماضيها ثم عن مستقبلها بل حتى حاضرها صار يتنكر لها.. [انظر حوارها مع رجال الشارع]

"... اللغة في هذا النص المتقن تتوتر وتمتد وتتقلص وتسيح مع أنفاس وأشياء المكان والأم..." حيث كانت  العواطف الإنسانية في شتى تموجاتها تتخذ لها إيهابا خاصا من الكلمات الموحية والمعبرة تعبيرا دقيقا ولو عدنا إلى الموقف الدرامي لوجدنا ذلك واردا في الكلمات الدالة على السعادة  التي استعانت بها الأم في حوارها كقولها: "..لا تتصوري مدى سعادتي.. إنها نعمة رزقنيها الله... شعور رائع.." وكذلك في الكلمات الدالة على الحزن و الألم كقولها".. تعودنا التوترات.. في أي كابوس أنا.. .محطم مثلي.." وهنا تتضح لنا العلاقة بين الموقف الدرامي والمعجم اللغوي حيث كان بينهما توافق و انسجام..

قانون الوحدات الثلاث الأرسطي في البناء العمل المسرحي:

اعتمد الكاتب قانون الوحدات الثلاث الأرسطي في البناء العمل المسرحي، حيث توافرت في هذه المسرحية:

وحدة في الموضوع و وحدة في الزمان حيث لم يتجاوز الزمان  فيها24 ساعة ووحدة في المكان حيث حدد المكان هنا بمدينة واحدة..
فوحدة  الموضوع أو وحدة العمل هي اتحاد الأجزاء المختلفة التي يتسق بها الحادث، ووحدة المكان تفترض وقوع العمل كله في مكان واحد لا يتجاوزه، أما وحدة الزمان فتعني أن لا يستغرق العمل أكثر من يوم واحد- قد ينقص أو يزيد، وذلك حرصاً على المقاربة الحقيقية،

إن النقاش الذي ورد في آخر مشهد من المسرحية هو نقاش يخدم البناء الدرامي من خلال ما سيفهمه القارئ من فحوى ذلك النقاش  وهو نقاش مرتبط بالحل أو بسياق النهاية الدرامية  فحالة الأم توحي فعلا بالجنون  ثم يعد هذا الجنون  في النهاية وفي عرف النفسانيين أمرا طبيعيا مادام مرتبطا بالحرب و نتائجها على الفرد و المجتمع.

 فالأمر يتعلق إذن بإظهار النتيجة الطبيعية للحروب وهي الأزمة النفسية والاجتماعية التي سيعيشها كل من يعيش تحت مطرقة الحروب..

إن دلالة عدم اكتراث رواد المقهى بما وقع هي دلالة نفسية حيث يتعلق الأمر بتعود الناس على الخراب والدمار وبذلك أصبح الخراب طبيعيا وأصبحت الحرب نفسها أمرا طبيعيا لا تحرك عواطفهم..

خصائص الحوار في هذا النص من حيث:


- ملاءمته للشخصية:

هو التناسب، حيث نسب الكاتب لكل شخصية اللغة التي توافقها فالشخصية المحورية وهي شخصية الأم تكلمت بدلالة  السعادة و الفرح ثم بدلالة  الألم والحزن والتعاسة  أما الضيفة فتكلمت بلغة امتازت بالعموم و لا قيمة لها في المجال النفسي و أما الرجال في الشارع فتكلموا باللغة التي تناسب نهاية القصة من حيث اللامبالاة و عدم الاكتراث. [ ذكر أمثلة من النص]

- القدرة على رسم الملامح:

وتتمثل هذه القدرة باختيار الألفاظ النفسية المعبرة عن الأحوال النفسية للأم كحالتها من التفاؤل أولا ثم كحالتها من الحزن ثانيا كما رسمت الألفاظ التي تكلمت بها الضيفة ملامحها من عدم اكتراثها و اهتمامها بطبائع الأطفال .

- مساهمته في التطور الدرامي للمسرحية:

وذلك في الانتقال من حالة إلى حالة فكل مرحلة كانت تميزها لغة خاصة.. [ذكر أمثلة وشرحها].

أضفى الحوار في آخر المسرحية مسحة من الحزن و التألم على الوضع المزري الذي آلت إليه الأم حيث إن المجتمع أدار ظهره لهذه الأم و كأنه  لم يعترف لها بحقها في الحزن على وضعها... واتهمت بالجنون من أقرب الناس إليها...

المقاطع السردية والوصفية التي تخللت المسرحية هي  جزء من العمل المسرحي لأنها ساهمت في التحولات الطبيعية التي حدثت في العمل القصصي وأعطت لهذه الأحداث توسعا و العمل المسرحي لا يستغني عن السرد والوصف فالسرد مرتبط بالأحداث والوصف مرتبط بالشخصيات وبالتالي يكون هذا الامتزاج بين السرد والوصف والحوار عملا طيعيا وفنيا في العمل المسرحي.

المحافظة على النسق المسرحي وانسجام الأحداث:

لقد حافظ الكاتب على النسق المسرحي مما جعل الأحداث منسجمة واعتمد من أجل ذلك على بناء الشخصية المحورية بناء تطويريا متناميا و الدليل على ذلك من النص هو تلك التحولات التي شهدنها الأم خلال عرض الأحداث حيث نمت شخصيتها و تطورت من السعادة و التفاؤل عند رؤية الأطفال يلعبون ويمرحون إلى الخوف والألم عند رؤية الصور.. ثم  تطورت شخصيتها تطورا  كبيرا بعد حادث الانفجار [ذكر أمثلة من النص]... ذكر ثلاثة مشاهد مختلفة قبل و بعد الحادث وعلى كل حال يبدو أن هناك تكاملا بين وظيفة عمل الأشخاص و نموهم ووظيفة بناء الأحداث و تطورها في انسجام العمل المسرحي  بل يعد هذا من الناحية الفنية أحد شروط نجاح العمل الدرامي  أو الحركي الذي يقوم على أساس من الصعود و الهبوط وفق قانون التأثير والتأثر العاطفي..

جاء حادث الانفجار من جراء القصف خادما لهذا البناء الدرامي، فهو أكد حالة عدم الاستقرار التي تعيشها الأسرة العراقية حيث قد يأتي الخوف أحيانا من مأمنه.

فالحركة الدرامية ما كانت لتقوي من بناء القصة لولا هذا الحادث الذي جاء ليعطي للأم حالة تحول جديدة ساهمت في توسيع  حدة المشكلة ويكون ذلك دافعا جديدا لأحداث أخرى تعد نتيجة حتمية و طبيعية.

فكأن الكاتب بنى قصته على أساس من الأسباب والنتائج  لتقوى عوطف القارئ  ويتحد وجدانه مع الحالات النفسية المتطورة التي عرفتها الأم في شتى  أحوالها المختلفة ..