دور الجغرافيا في حماية البيئة من الحروب وسباق التسلح.. شرح وتوضيح مخاطر الحروب والنزاعات المسلحة التي تؤدي إلى وقوع خسائر كبيرة بشرية ومادية وبيئية



دور الجغرافيا في حماية البيئة من الحروب وسباق التسلح:

قبل الحديث عن دور الجغرافيا في حماية البيئة من الحروب وسباق التسلح، فإنه لا بد من التذكير، والتأكيد على وجود علاقة وثيقة بين الجغرافيا والحروب، لأن المعارك الحربية التقاء بين قوتين بشريتين في ميدان أو مكان ما، إما أن يكون رقعة من الأرض (على اليابسة)، أو مسطحاً مائياً، أو قد تكون هذه المعارك في الجو.

وميدان المعركة هو مكان، يتميز بخصائص طبيعية وبشرية مختلفة، وخصائص المكان نتاج تفاعل مستمر بين الإنسان والظروف الطبيعية المتمثلة في الموقع والسطح والمظاهر الطبوغرافية، والنباتات الطبيعية سواءً أكانت أعشاباً أم غابات، وكذلك المناخ الذي يؤثر بعناصره المختلفة من حرارة ورياح وأمطار وسحب تأثيراً كبيراً في نتائج المعارك.

أهمية الموقع الجغرافي:

ويكون للموقع الجغرافي دوراً مهم في نتائج المعارك الحربية، وذلك حسب أهميته ومكانته ألاستراتيجيه..، ولا شك أن معرفة الخصائص الجغرافية لميدان المعارك، تتيح قيادة ناجحة للمعارك، وتتيح للجيش الذي يحسن الاستفادة من الظروف الجغرافية لميدان المعركة أن يحقق الكثير من خططه.

لا ريب في أن احتمال نشوب حرب نووية أو نزاع عسكري، أضيق نطاقاً، تستخدم فيه أسلحة الدمار الجماعي، هو الخطر الأشد فتكاً بين الأخطار التي تواجه البيئة، والإجهاد البيئي هو سبب ونتيجة على حد سواء للتوتر السياسي والنزاع السياسي.

صراعات ونزاعات ومصالح:

وغالباً ما تصارعت الأمم لفرض أو مقاومة السيطرة على المواد الأولية، وإمدادات الطاقة، والأرض وأحواض الأنهار، والممرات البحرية وغيرها من الموارد البيئية الأساسية، ومن المرجح أن تتفاقم هذه النزاعات مع ازدياد شح الموارد واشتداد التنافس عليها.

وتستطيع الجغرافيا القيام بدور طليعي في شرح وتوضيح مخاطر الحروب والنزاعات المسلحة التي تؤدي إلى وقوع خسائر كبيرة بشرية ومادية وبيئية بشكل عام.

وتبين أيضاً كيف يتفاعل شح الموارد وسوء توزيعها، مع الجهل والفقر والتخلف، ومع الظلم وعدم المساواة، ومع النزاعات المسلحة والحروب، وكيف تتفاعل كل هذه الأمور مع المشكلات البيئية وتزيدها حدة وتفاقماً.

المخاطر الكارثية الناتجة عن سباق التسلح العالمي:

و تستطيع الجغرافيا أيضاً شرح وبيان المخاطر الكارثية الناتجة عن سباق التسلح العالمي، وأنه في ضوء هذا السباق فإن غياب الحرب لا يعني السلام بسبب زيادة المخاوف المتبادلة بين الدول والشعوب.

وقد زاد الإنفاق العسكري العالمي عام 1985 على 900 مليار دولار أمريكي، وتضاعف الإنفاق العسكري في البلدان النامية عدة مرات.

وبشكل عام فإن الإنفاق العسكري يبلغ نحو 1000 مليار دولار بالسنة، و 70 % من مبيعات الأسلحة الثقيلة يتجه إلى العالم الثالث.
في حين يجب توجيه هذا الإنفاق لتأمين المياه النظيفة، ومنشآت البنية التحتية، ومكافحة الفقر والجهل، وحماية البيئة، وتحقيق التنمية المستدامة بمختلف أشكالها.

مخاطر أسلحة الدمار الشامل:

ويمكن للجغرافيا أن تقوم بدور مهم جداً في توضيح مخاطر أسلحة الدمار الشامل المحرمة دولياً، الكيميائية والجرثومية (والقنابل العنقودية، واليورانيوم المنضب الخ) والأسلحة النووية بشكل خاص، وذلك لقطاعات واسعة من السكان، من خلال الكتب والمحاضرات والمقالات وعبر وسائل الإعلام المختلفة، خاصة في هذا العصر، حيث أصبح العالم قرية صغيرة تتفاعل فيه الأحداث والعلاقات بشكل مكشوف إلى حدٍ كبير.

إن الآثار المحتملة للحرب النووية، تجعل المخاطر الأخرى التي تهدد البيئة باهتة وغير ذات أهمية، وهذا ما تبينه السيناريوهات التي تجريها مراكز الأبحاث العالمية، والتي تتحدث عما قد يعقب الحرب النووية من شتاء نووي، وربما نهاية الحياة على سطح الأرض، ولن يكون هناك غالب أو مغلوب بالنتيجة.

الحرائق الناتجة عن التفجيرات النووية:

 وفي السنوات الأخيرة وجه الجغرافيون اهتماماً كبيراً لمسألة التأثيرات الكارثية للحرائق الناتجة عن التفجيرات النووية فوق سطح الأرض، إذ إن هذه الحرائق تؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من الدخان، وجزيئات الغبار (الايرزول)، التي تؤدي إلى خفض كمية الأشعة الشمسية الواصلة إلى سطح الأرض بمقدار يصل إلى 95 %.

ومثل هذا التأثير المهم يسبب تبرد المناخ بشكل كبير، وقد نشر عدد من الجغرافيين أبحاثاً  علمية حول هذا التأثير بينت حدوث تغيرات مناخية مختلفة، وتغير قيم الشفافية الجوية، وحدوث عامل البيت الزجاجي (ظاهرة الاحتباس الحراري).

الأشعة الشمسية:

وقد قام فريق من جامعة لينينغراد (سان بطرس بورغ حالياً)، عام 1960 بقياس كمية الأشعة الشمسية في الغلاف الجوي على ارتفاع 30 كم، وذلك عقب إجراء تجارب نووية وتبين حدوث نقص في كمية هذه الأشعة بمعدل 7 %، ويعود ذلك إلى زيادة كمية ثاني أكسيد الآزوت في الغلاف الجوي بسبب التفجيرات النووية.

ويمكن أن يسبب ذلك نقصاً في درجات الحرارة بمقدار 0.3 درجة مئوية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وأظهرت هذه الدراسة حدوث تبرد في درجات الحرارة في عقد الستينات من القرن العشرين وعزت ذلك إلى التجارب النووية في تلك الفترة.

نتائج التجارب النووية:

وبينت الدراسات المختلفة أن إجراء التجارب النووية يؤدي إلى تغير التركيب الكيميائي في الجو مما يؤدي إلى تغير شديد في المناخ العالمي وإلى حدوث كارثة إيكولوجية، لا تنحصر فقط في حدوث الشتاء النووي، ولكن في حدوث تشوش وعدم استقرار مناخي.

ومن المناسب هنا الإشارة إلى أنه بين عامي 1945 و 1978 وقع 1165 انفجاراً نووياً معظمها لاختبار الأسلحة، منها 498 قبل معاهدة 1963م، لتحريم الاختبارات النووية في الجو، والباقي بعد توقيع الاتفاقية.

 وهنا يبدو جلياً أهمية دور الجغرافية إلى جانب العلوم الأخرى في دراسة هذه المشكلة، كما أن الجغرافية يمكنها أن تقدم خرائط واضحة تبين مناطق انتشار التلوث النووي الناتج عن كوارث نووية مختلفة، واقعية أو محتملة.

ومن هذه الخرائط مثلاً أطلس الحرب النووية الذي وضعه الجغرافي الأمريكي الشهير(ف. يونغ)، وهو أطلس ذو أهمية وفائدة كبيرتين.
ومن خلال الخرائط المختلفة كالخرائط التطابقية (Overlays Mapping)، وخرائط الحاسوب التي يستخدم فيها نظم المعلومات الجغرافية (G I S)، ومعطيات الاستشعار عن بعد، يمكن للجغرافيا الإسهام في عمليات التخطيط والتقويم البيئي، ودراسة الكثير من الظواهر البيئية، والتنبؤ بأنواع الضغوط التي يسببها استخدام الأسلحة على الأنظمة البيئية المختلفة.