التحليل البديعي والبياني للمقامة القردية لبديع الزمان الهذاني



التحليل البديعي والبياني للمقامة القردية لبديع الزمان الهذاني:

المقامة القِرْدية: سميت بهذا الاسم إلى امتهان "أبي الفتح الإسكندري" مهنة القرادة

أميس مَيْس الرِّجْلَة، على شاطئ الدجلة.

الميس: التبختر، ويقصد الكاتب هنا أنه كان يتبختر كما يتبختر الرجال على شاطئ دجلة، والتكلف واضح في الرجلة - وهي جمع رجل - ودجلة، فهنا جناس وسجع بأي ثمن. ولا يمكن أن يكوم قصد بكلمة الرِّجلة المرأة النؤوم، لأنه لا يمكن أن يشبه تبختره بتبخترها، ففي ذلك إنقاص لرجولته.

إذ انتهيتُ إلى حلقة رجالٍ مُزدَحِمين يلوي الطرَبُ أعناقَهم، ويشُقُّ الضَّحِكُ أشداقهم، فساقني الحرصُ إلى ما ساقهم، حتى وقفتُ بمَسْمَع صوت رجل دون مرأى وجهه لِشدِّةِ الهجمةِ وَفرْط الزحمة.


في قوله "يلوي الطرب أعناقهم" صورة بيانية، فالطرب كالإنسان الذي يلوي الأعناق، وهنا استعارة مكنية، وكناية عن شدة الطرب، ثم تلا ذلك بصورة بيانية أخرى، فالضحك قادر على أن يعمل ويشق، وجمال الصورة البيانية الأولى لا يعني عدم التكلف في الصورة الثانية.
وقوله: "فساقني الحرص إلى ماساقهم" أي اندفعتُ مثلهم لأشاهد المنظر وما يقدوم به القَرّاد، وهي صورة بيانية، فالحرص لا يسوق، وإنما جعله كذلك على سبيل الاستعارة المكنية.
وهنا سجع ولزوم ما لا يلزم بين أعناقهم وأشداقهم وساقهم.
وفي الجملة الأخيرة يقصد أنه لم يرَ القَرّاد بسبب شدة الزحام، وقد لجأ "الهمذاني" إلى لفظتي الهجمة والزحمة ليحقق السجع، ولزوم ما لا يلزم.

فرقصتُ رَقْصَ المُحَرَّج وسرتُ سير الأعرج.

هنا صورة بيانية أساسها التشبيه، فهو يثب هنا وهناك كالكلب المُحَرَّج -أي الكلب المقلّد بالحِرج أي الودع-، وهي صورة بديعة لرجل يحاول أن يطل على المشهد من خلال الزحام.

يلفظِني عاتقُ هذا لِسُرّة ذاك.

المقصود أن عاتق أحدهم يرميه أو يرجعه إلى سُرّة الثاني؛ أي بطنه، و"يلفظني" صورة بيانية جميلة، لكن نسبتها إلى العاتق والسرة تبدو متكلفة.

حتى افترشْتُ لِحية رجلين، وقَعَدْتُ بعد الأَيْن.

المقصود جلس بين رجلين كان نصفه مجلسه على وجه أحدهما ونصفه الثاني على وجه الآخر وقد افترش لحيتيهما، وهنا مبالغة في تصوير شدة الزحام.
واستخدام كلمة الأين -أي الإعياء من التعب- متكلف، وجاء فقط لتحقيق السجع ولزوم ما لا يلزم.

وقد كساني الدّهَشُ حُلَّتَه.

الدهش: الذهول، وحُلّة الدهش: ما يظهر على الوجه وسائر الأعضاء من علاماته وآثاره.
وهي صورة بيانية، فهي استعارة مكنية، وأيضاً كناية عن الدهشة.

بالحُمْقِ أدركتُ المُنى، ورَفَلْتُ في حُلَلِ الجَمال.

المقصود أنه بالتحامُق كسب المال فاكتسى به أفخر الثياب وهي مجبلة الجمال.
وهنا صورة بيانية مصدرها الكناية، غير أنها كناية مبتذلة.


0 تعليقات:

إرسال تعليق