تصنيف القصة القصيرة جدا.. دراسة الأنواع القصصية وملاحقة تحولاتها حسب متطلبات العصر وحاجاته الملحة في التغيير وسبر التقاليد الفنية الموروثة

إن تسمية (قصة قصيرة جدا) وهويتها تحمل نصيبا من الحساسية ما تزال عالقة في تصنيفات النقاد المنكرين والمتحمسين لها بمواقع تتوزع على خمسة أصناف بوصفها نوعا جديد:

- الصنف الأول:
رفضها وظل على رفضه إلى النهاية سواء عن معرفة بها أو جهل.

- الصنف الثاني:
رفضها بشدة وأعلن عن رفضه ثم قبل بها بعد أن استقرت وانتشرت.

وإذا كان من الطبيعي أن تمر بمرحلة  الإنكار والهجوم عليها شأنها شأن كل نوع أدبي جديد، ويمكن إجمال مسوغات إنكارها  بما يلي:

1- إن معظم كتابها يركضون وراء (الموضة الأدبية) أو (التقليعة) أو (البدع) الأدبية التي تجتذب كل من هب ودب ليمتشق الطرائف والنكات والمفارقات ويدونها على الورق ويطلق عليها تسمية قصة قصيرة جدا.

2- استسهال كتابتها بحجة خرق المألوف والقصر مما أدى إلى هبوط مستواها الفني، فالخرق (ليس لصالح العبث وألعاب الصبية).

3- مازالت جل المحاولات التي تمت بحجة الخروج عن القواعد الأولية للكتابة القصصية والتمرد النوعي الجامح بعفوية وتلقائية لا تقوى على التشبع المترع باركان وماهية العناصر في القص، وهي محاولات مبعثرة ومجتزأة وتعتمد على الاستسهال.

4- عدم امتلاكها ثراء معرفيا بسبب لحظيتها التي لا تبقي في الذاكرة أثرا يستطيع المطاولة لو قارناها بالرواية أو القصة القصيرة.

5- وضعها بعض النقاد قسرا تحت مسميات بعيدة عن مسارها الصحيح في أثناء محاولاتهم للكشف عن خصائص الفنية وتقانتها الأسلوبية.

لذا فهي ليست جنسا أدبيا مستقلا بذاته إنما هي نوع أدبي قائم هو (القصة القصيرة) التي تشترك في تقنياتها الجمالية والنوعية ولا تزيد عليها إلا بالقصر وما يتطلبه من صفات الاختزال والتكثيف والاقتضاب والاقتصاد، وذلك  (لعدم وجود هذه التسمية في النقد والممارسات القصصية.

وهي ليست (شكلا) فقد مارسه العديد من أمثال الطيب صالح وزكريا تامر وغيرهما وإنما هي مرتبطة بطبيعة كتابة القصة وبنائها لأن السرد عندما يطول ويتعاضد مع تقانات أخرى وخصائص أخرى يصبح رواية لذا فمستقبلها مرتبط بواقع الرواية والقصة ومدى تطورهما).

- الصنف الثالث:
تريث وانتظر ولم يتخذ أي موقف ولم يعلن أي شيء حتى إذا ما استقرت وأصبحت قديمة اخذ بها وقبلها.

وتركزت مسوغات هذا الصنف في متابعة ومراقبة ما يكتب من نصوص ومقاربات لبلورة أحكاما بناءة في معالجة أشكالها وتبعاتها الذوقية المتعددة التي تجنح إلى عدم ثبات تصنيفها إبداعيا سواء من حيث الالتباس بينها وبين أنواع أدبية أخرى تشكلت في الموروث السردي (الخبر، النادرة، قصص الحيوان، المنامة، التكاذيب، وغيرها)، أو بينها وبين أنواع أدبية حديثة كقصيدة النثر التي تحرص على الإيقاع واللغة الشعرية والصورة الفنية خاصة تلك التي تحاول أن توظف النسق الحكائي أو الحدث القصصي.

وتكمن غاية الترقب في القول بموضوعية تجاه أركانها وتقاناتها التي إما أن تؤهلها للبقاء والاستمرار بوصفها نوعا قصصيا يجاري الأنواع القصصية الأخرى (النوفيلا، تيار الوعي، اللوحة القصصية، حلقة القصص القصيرة) أو التنازل عنها ومسايرة الكتابات التي فقدت ملامحها النوعية مثل (النص المفتوح)، ودعوة مروجي العولمة النصية إلى التخلي عن التجنيس بحجة (أن الأجناس الأدبية يتمرأى بعضها في بعض داخل قناة لا تمنح مهلة في الزمان ولا نظرة إلى المكان(...) فكل نص هو بؤرة رمزية وعلاقات مجازية ونظام إيقاعي (...) إن ثقافتنا لم تعد ثقافة تجنيس الأجناس الأدبية).

ونرى في هذه المقولة القسوة والتجني على الأنواع الأدبية وربطها بالعولمة التي لن تزيدها إلا ضبابية وفوضى وتبعية لمسمى واحد فحسب هو (نص) لا غير.

كما أن انشغالات الكتابة الأدبية الآن بالتحولات التجنيسية وتداخل الأنواع/ الأجناس الأدبية لا يعني منح الكاتب أو القارئ هوية  العولمة الأدبية المفترضة، إنما هي محاولات تمنح القارئ فاعلية أكثر في رصد التفاعل النصي ومنحه تأشيرة دخول إلى نص متحول, لكشف الخصائص النوعية لهذا النص الجديد .

- الصنف الرابع:
درس وتعرف إليها ثم اخذ بها وتقبلها.

- الصنف الخامس:
تحمس لها وقبل بها فور ظهورها من غير دراسة.

وهذان الصنفان يعدانها نوعا أدبيا مستقلا، له أركان تميزه عن الأنواع التي تنضوي تحت جنس النثر الحكائي كالقصة القصيرة والرواية وغيرها وأن إنكارها يذكر بطريقة (النعامة) في التعامل مع الموجودات الحسية.
ويمكن إجمال  مسوغاتهما بما يلي:

1- إن ولادتها طبيعية وصحيحة في أدبنا المعاصر وهذه الولادة مستقلة بكينونتها الخاصة مع كونها امتدادا صميميا لفن القصة القصيرة.

2- ذات ثقل نوعي إبداعي وحضور فاعل في الراهن القصصي وقد أقيمت لها  ملتقيات عدة في كل من دمشق وحلب.
وكان لهذه الملتقيات دور في إستقطاب كتابها ونقادها وما المجاميع القصصية التي صدرت عن المؤسسات الحكومية ودور النشر الأهلية إلا دليل على أنها ليست موجة تمر بمرحلة فوران ثم تنتهي.

إن قبولها في خانة ما أو إخراجها منها حمل تلك الحساسية من حيث إبقاؤها ضمن دائرة القص أو انحرافها إلى دائرة الشعر، كما أنه شتت معالجة مشاكلها بين انفعالات صحفية أخذت طابع التواضع العلمي وبين دراسات نقدية جادة تفحصتها بشكل علمي بينما سعى بعض النقاد متابعة تسميتها التي عانت منها في المراحل المبكرة لظهورها.

إذ بدأ المؤلفون والنقاد اجتراح تسميات جديدة تتبادل المواقع بتداخل يصعب قبوله أو رفضه للوهلة الأولى، فقصة، أقصوصة، قصة قصيرة، صورة قصصية، اقصودة، قصة قصيرة جدا، القصة اللوحة، والقصة الومضة  مصطلحات برزت في الخطاب النقدي القصصي في دراسة الأنواع القصصية وملاحقة تحولاتها حسب متطلبات العصر وحاجاته الملحة في التغيير وسبر التقاليد الفنية الموروثة ومدى صلتها بهذه الأنواع.