الديانة المسيحية في الإمبراطورية الرومانية.. اضطهاد المسيحيين وطردهم من البلاط ومن صفوف الجيش ونفيهم إلى جهات نائية وحرمانهم من حقوق المواطنة وحرق كتبهم المقدسة وهدم كنائسهم



الديانة المسيحية في الإمبراطورية الرومانية:

وسط الفوضى الدينية بدأت المسيحية تظهر وتتفوق، ففي عهد الإمبراطور أورليان كانت المسيحية قد انتشرت انتشاراً واسعاً في الشرق ورسخت جذورها في إيطاليا وتغلغلت في روما نفسها حتى صارت خطراً كبيراً على الديانة الرسمية للدولة وهي عبادة الإمبراطور وعبادة الشمس وخصوصاً بعد اعتناق عدد من أفراد الجيش للمسيحية.

اضطهاد المسيحيين:

وهذا ما أدى بالدولة إلى كراهية المسيحيين وإلى إقدام السلطات الحاكمة على اضطهادهم مثلما حدث على عهد كل من الإمبراطور دكيوس249-251م والإمبراطور فاليريان 253-260م حين تعرض المسيحيون لأشد أنواع الاضطهاد.

وفي نفس هذا الإطار كره دقلديانوس المسيحية التي ظهرت في أوربا كعقيدة جديدة ونظام وافد من الشرق خصوصا وأن هذه الديانة بدأت تدعو أتباعها إلى عبادة إله غير الإمبراطور ثم ازداد سخطه عليها حين بدأت تظهر تطرفا وبدأت تخير أتباعها بين الإخلاص للمسيح أو الإخلاص للإمبراطور وخصوصاً حين تعدى نطاق تأثيرها في المجتمع إلى التأثير في الجيش، وحين قضت على ولاء الجند للإمبراطور وصارت عبارة عن دولة داخل الدولة وشكلت جماعات سرية لا تقيم وزناً لنظام الدولة وتقاليدها.

محنة المسيحيين في عهد دقلديانوس:

ويذكر أن المسيحية كعقيدة تسربت إلى أفراد من البلاط الإمبراطوري وإلى بعض أفراد أسرة دقلديانوس نفسه وهذا ما جعل الإمبراطور يشرع في اضطهاد عنيف للمسيحية وأتباعها قبل سنوات قليلة من اعتزاله للحكم.

ففي سنة 302م بدأت حركة اضطهاد كبيرة للمسيحيين جرى بمقتضاها طردهم من البلاط ومن صفوف الجيش ونفيهم إلى جهات نائية وحرمانهم من حقوق المواطنة ومنعهم من تولى الوظائف الإدارية وحرق كتبهم المقدسة وهدم كنائسهم وإصدار قرار يحرم عتق الأرقاء منهم وتبع ذلك حركة تعذيب عنيفة في سنة 304م جرى فيها إعدام كثير من المسيحيين وإذاقتهم ألواناً من العذاب الأمر الذي أدى بكثير منهم إلى التخلي عن عقيدتهم.
وهكذا كانت السنوات الأخيرة من حكم دقلديانوس فترة محنة كبيرة للمسيحيين وقد حدث مثل ذلك في شمال إفريقيا أيضاً حيث عرف الأهالي محاكمات وعمليات تعذيب وحرق مؤلمة.

وفاة جاليروس عدو المسيحية اللدود:

ولكن القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية هو الذي عانى القسط الأكبر من الاضطهاد الديني وذلك بحكم تركز المسيحيين في الشرق مهد المسيحية الأول.
غير أن هذه الحركة العنيفة من الاضطهاد لم تلبث أن خفت حدتها عندما قرر دقلديانوس اعتزال السلطة سنة 305م بعد أن صار شيخاً ولازمه المرض المزمن، وبعد أن أكمل عشرين عاماً على رأس الإمبراطورية، وكذلك بوفاة جاليروس عدو المسيحية اللدود سنة 311م.

انقلاب الحياة الدينية للأمبراطورية الرومانية:

وإذا كان مسلك دقلديانوس تجاه المسيحية قد اتسم بقدر كبير من  العنف والقسوة فإن ذلك قد أدى إلى انقلاب خطير في الحياة الدينية للأمبراطورية ووضعها على أعتاب مرحلة جديدة على عهد خليفته قسطنطين الذي جعل الإمبراطورية حصنا للمسيحية وملاذا لأتباعها والذي ترأس أول مجمع ديني مسكوني في تاريخ المسيحية وتبنى وجهة نظر رجال الكنيسة وجعل من المسيحية الوجه اللامع للحقبة الجديدة في بيزنطة.