الحماية الاجتماعية والتضامن الوطني بالمغرب: استراتيجيات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومؤسسة محمد الخامس في دعم الفئات الهشة

المؤسسات التضامنية بالمغرب: دعائم الحماية الاجتماعية والتكافل المجتمعي

يُعد المغرب من الدول التي تولي اهتماماً خاصاً لتعزيز التكافل الاجتماعي وتوفير شبكة حماية قوية لمواطنيها. يتجلى هذا الاهتمام في وجود مجموعة من المؤسسات التضامنية التي تضطلع بأدوار حيوية ونبيلة في دعم الفئات الهشة، التخفيف من حدة الفقر، وتقديم المساعدات الضرورية. من أبرز هذه المؤسسات، يبرز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، واللتان تعملان بتناغم لتحقيق الأمن الاجتماعي وتعزيز التضامن الوطني.


1. الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي: حصن الأمان للطبقة العاملة

يُعتبر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) بمثابة حجر الزاوية في منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب. هذه المؤسسة العمومية، التي تأسست عام 1959، جاءت لتُجسد رؤية استراتيجية تهدف إلى توفير الأمان الاجتماعي لقطاع عريض من المجتمع المغربي.

مهامه الأساسية ورؤيته: يعمل الصندوق تحت الإشراف الإداري لوزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، وتتمثل مهمته الجوهرية في ضمان الأمن الاجتماعي للطبقة الشغيلة. هذا الأمن لا يقتصر على مجرد توفير المساعدات، بل يتعداه ليشمل بناء نظام متكامل يحمي الأفراد وأسرهم من تقلبات الحياة ومخاطرها.

آليات الحماية الاجتماعية: يُطبق الصندوق نظاماً إلزامياً للضمان الاجتماعي على العاملين في قطاعات الصناعة، الخدمات، والمهن الحرة بالمغرب. يتم تمويل هذا النظام بشكل أساسي من خلال الاقتطاعات الشهرية التي تُحتسب من أجور المنخرطين طيلة مدة عملهم. هذه الاقتطاعات ليست مجرد مبالغ مالية، بل هي استثمار في مستقبل الأجير وأسرته، تتحول لاحقاً إلى تعويضات ومستحقات عند الحاجة. يقدم الصندوق حماية شاملة ضد مجموعة من المخاطر التي قد تُحد من قدرة الأجير على كسب عيشه أو تؤثر على استقراره المادي، وتشمل هذه المخاطر:

  • المرض: تغطية جزء من تكاليف العلاج والأدوية.
  • الأمومة: تعويضات لدعم الأمهات العاملات خلال فترة الحمل والولادة وبعدها.
  • العجز: تقديم دعم مالي في حالة فقدان القدرة على العمل بسبب عجز جزئي أو كلي.
  • الشيخوخة: صرف معاشات تقاعدية لضمان دخل ثابت بعد بلوغ سن التقاعد.
  • التعويضات العائلية: دعم مالي يُصرف للأسر لمساعدتها في تحمل أعباء الأبناء.

الدعم في حالات الوفاة: في حالة وفاة الأجير المنخرط، يمتد نطاق حماية الصندوق ليشمل عائلته. حيث يمكن للورثة الشرعيين الاستفادة من معاش الورثة، والذي يوفر لهم دخلاً منتظماً، بالإضافة إلى منحة الوفاة التي تُصرف مرة واحدة للمساعدة في تغطية تكاليف الجنازة والتكيف مع الظرف الجديد. هذا الجانب يعكس البعد التضامني العميق للصندوق، الذي لا يقتصر على الأجير بل يمتد ليشمل أسرته بعد وفاته.


2. مؤسسة محمد الخامس للتضامن: جسر الأمل للمحتاجين

تُمثل مؤسسة محمد الخامس للتضامن ذراعاً تضامنياً وطنياً يُعنى بمكافحة الفقر والهشاشة، وتجسيداً للمبادئ السامية للتكافل الاجتماعي في المغرب. تأسست هذه المؤسسة الوطنية ذات المنفعة العمومية والاستقلال المالي بمرسوم ملكي في 21 ربيع الأول 1420 هـ الموافق 5 يوليو 1999، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وتُعرف اليوم برئاسة الملك محمد السادس.

هيكلها ومواردها: تتمتع المؤسسة باستقلالية مالية، مما يمنحها مرونة في تنفيذ برامجها. تتشكل إدارتها من مجلس إداري يرأسه الملك، بالإضافة إلى متصرف منسق يشرف على العمليات اليومية. كما تعتمد المؤسسة بشكل كبير على الشركاء والمساعدين الاجتماعيين الذين يساهمون في تحقيق أهدافها على أرض الواقع، بالإضافة إلى فريق من الأطر ورؤساء المشاريع المتخصصين.

تتعدد مصادر دخل المؤسسة، مما يضمن استدامتها المالية:

  • مساهمات المواطنين والتبرعات: تُعد التبرعات النقدية والعينية من الأفراد والشركات أحد الأعمدة الرئيسية لتمويل المؤسسة، مما يعكس حس المسؤولية المجتمعية لدى المغاربة.
  • بيع الشارات والطوابع البريدية: تُصدر المؤسسة شارات وطوابع بريدية خاصة، تُخصص عائداتها لدعم برامجها.
  • فوائد الأرصدة المجمدة لدى البنوك: استثمار أموال المؤسسة يدر عوائد تساهم في تعزيز قدرتها المالية.
  • مساهمات شركاء المؤسسة: تتعاون المؤسسة مع العديد من الشركاء، سواء كانوا مؤسسات حكومية، منظمات دولية، أو جمعيات أهلية، يقدمون دعماً مالياً ولوجستياً.

أهدافها وبرامجها المتنوعة: تحت شعار "مستعدون لمساعدة المحتاجين"، تسعى مؤسسة محمد الخامس للتضامن إلى التخفيف من معاناة الفئات المعوزة وتقديم الدعم في مجالات حيوية متعددة، منها:

  • مكافحة الفقر والهشاشة: من خلال برامج تستهدف الأسر المحتاجة وتوفير المساعدات الغذائية والمادية.
  • مواجهة آثار الجفاف والكوارث الطبيعية: تقدم المؤسسة مساعدات إغاثية عاجلة لضحايا الكوارث الطبيعية، وتدعم جهود إعادة الإعمار في المناطق المتضررة.
  • دعم الفئات الخاصة: تولي المؤسسة اهتماماً خاصاً لذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال توفير الدعم الصحي والتعليمي والتأهيل المهني لهم.
  • التعليم ومحو الأمية: تساهم في دعم تدريس الأطفال في المناطق القروية المحرومة، وتشجع على برامج محو الأمية لتمكين الأفراد.
  • توفير الأدوية والدعم الصحي: تعمل على توفير الأدوية للفئات المعوزة ودعم المبادرات الصحية التي تستهدف تحسين جودة الرعاية الصحية.
  • دعم الجمعيات الناشطة: تتعاون المؤسسة مع العديد من الجمعيات المحلية والوطنية، وتقدم لها الدعم المالي واللوجستي لتعزيز قدرتها على العمل الميداني.
  • استقبال المغاربة المقيمين في الخارج (عملية مرحبا): تُساهم المؤسسة بشكل فعال في عملية "مرحبا" السنوية، التي تهدف إلى تسهيل عودة المغاربة المقيمين بالخارج إلى وطنهم خلال العطل الصيفية، وتوفير كافة أشكال الدعم والخدمات لهم.
  • حماية البيئة: تشارك في مبادرات لحماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، إدراكاً منها للارتباط الوثيق بين البيئة والرفاه الاجتماعي.

الاعتراف الدولي والمكانة الاستشارية: إن المكانة التي تتمتع بها مؤسسة محمد الخامس للتضامن لم تقتصر على النطاق الوطني، بل امتدت لتشمل الاعتراف الدولي. فقد تم الاعتراف بها ككيان مرافق عامة بموجب مرسوم ملكي في يوليو 1999، كما أنها تتمتع بمركز استشاري لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة. هذا الاعتراف يؤكد على الشفافية والفعالية التي تتميز بها المؤسسة في عملها التضامني والإنساني.


في الختام، يُشكل كل من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومؤسسة محمد الخامس للتضامن ركيزتين أساسيتين في بناء مجتمع مغربي متضامن، حيث يعملان جنباً إلى جنب لتعزيز الحماية الاجتماعية، التخفيف من المعاناة، ومد يد العون لكل من يحتاجها، مما يعكس قيم التكافل والتآزر المتجذرة في الثقافة المغربية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال