إن المدرسة الأمريكية لم تكتفِ بنقل اهتمام الأدب المقارن من العلاقات الخارجية إلى العلاقات الداخلية للأدب، بل تخطّت ذلك إلى المطالبة بأن تنفتح الدراسات المقارنة على نوع آخر من المقارنات، ألا وهو مقارنة الأدب بالفنون والعلوم وحقول المعرفة والوعي الإنساني الأخرى.
فالفنون كالموسيقا والتصدير، هي ظاهرة جمالية تنطوي على أوجه تشابه كثيرة مع الأدب.
ولذا فإنّ دراستها يمكن أن تقرّبنا من فهم الأعمال الأدبية، ويمكن أن تؤدي مقارنتها بالأدب إلى الكشف عن جوهره.
أليس المثل الأعلى للوحدة الفنية في العمل الأدبي مستمداً من الوحدة الفنية في الموسيقا والتصوير؟.
ويمكن أن يقال عن علاقة الأدب بالفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والعلوم الإنسانية الأخرى شيء مشابه. فهي علوم يمكن أن تقدّم مساعدة كبيرة في فهم الأعمال الأدبية.
وباختصار فإنّ جوهر الدراسة المقارنة للآداب من وجهة نظر "أمريكية"، يكمن في تقريبنا من فهم البنى الداخلية، أي الجمالية للأعمال الأدبية، لا في حصر ما تنطوي عليه تلك الأعمال من مؤثرات أجنبية، وما مارسته على الأعمال الأدبية الأجنبية من تأثير.
ترى ألا يؤدي ذلك إلى إذابة الأدب المقارن في النقد الأدبي وتمييع مضماره وتخومه كفرع من فروع الدراسة الأدبية، وإلى إفقاده خصوصيته كمنهج؟
إنّ رينيه ويليك لايخشى اعتراضاً كهذا. فالنقد الأدبي يجب أن يكون مقارناً، يتجاوز الحدود اللغوية والقومية للآداب، والأدب المقارن يجب أن يكون نقدياً يقارب النصوص الأدبية كبنى جمالية، لاكمؤثرات ووسائط.
عندئذ يصبح الأدب المقارن نقداً، ويصبح النقد أدباً مقارناً، وتزول تلك الحواجز المصطنعة التي أقيمت بين الأدب المقارن والنقد الأدبيّ.
فالأدب يتجاوز بطبيعة الحال حدود اللغات، ولذلك لا يجوز أن يدرس إلا بصورة مقارنة.
وهو بنى وقيم جمالية، ولذلك لايجوز أن يقارب إلا بصورة نقدية.
إنّ الأدب المقارن الحقّ هو في جوهره نقد أدبي، والنقد الأدبي الحقّ هو في جوهره أدب مقارن.
وهكذا أعاد رينيه ويليك اللحمة إلى علاقة الأدب المقارن بالنقد الأدبي، ووصل ماقُطع بصورة تعسفية.
التسميات
أدب مقارن