الصدام بين الاتجاه التاريخي (الفرنسي) في الأدب المقارن وبين النقد الجديد.. التحول في مقاربة النصوص الأدبية من المقاربات الخارجية إلى المقاربات الداخلية

إنّ الخلفية الحقيقة للصدام الذي جرى بين الاتجاه التاريخي (الفرنسي) في الأدب المقارن وبين "النقد الجديد" الذي مثّله رينيه ويليك، ترجع في حقيقة الأمر إلى ذلك التحول الجذري في الأنموذج (Paradigmawechsel) الذي شهده النقد الأدبي والدراسات الأدبية في أوائل هذا القرن، ألا وهو التحول في مقاربة النصوص الأدبية من المقاربات الخارجية إلى المقاربات الداخلية.

إنه التحول الذي بدأه "الشكلانيون الروس" وواصله "النقد الجديد" والبنيوية والاتجاهات مابعد البنيوية، وهو تحوّل شكّل منعطفاً حاداً في تاريخ الفكر النقدي في العالم.

فقد نقل مركز ثقل الدرس النقدي من العلاقات الخارجية للعمل الأدبي (أي علاقاته بشخصية الأديب وسيرته، وعلاقته بالبيئة الاجتماعية والثقافية..) إلى العلاقات الداخلية للعمل الأدبي، أي إلى بنيته الفنية والفكرية والجمالية.

لقد جعل ذلك التحول في الأنموذج تاريخ الأدب في صورته القديمة أمراً غير ممكن.
وكان النقد الجديد أحد التيارات النقدية الحديثة التي تبنّت ذلك الأنموذج الجديد وساهمت في صياغته.

إنه أنموذج لايولي العلاقات الخارجية للأدب كبير اهتمام، ويولي جلّ اهتمامه لأدبية الأدب، أيّ لتلك الخصائص التي تجعل منه أدباً.

فأهمية أيّ مقاربة للأعمال الأدبية تكمن في مدى قدرتها على جعلنا نفهم الجوهر الأدبي لتلك الأعمال، أي قيمتها وبنيتها الأدبية، بصورة أفضل.

أمّا دراسات التأثير والتأثر فهي لا تقرّبنا من فهم جوهر النصوص الأدبية، بقدر ما تبعدنا عنه، وتدخلنا في متاهات المؤثرات والوسائط والعلاقات الخارجية.

وبناء عليه رفض رينيه ويليك المنهج الفرنسي التقليدي في الأدب المقارن، ودعا إلى منهج يتعامل مع جوهر الأدب، أي إلى منهج نقدي في الأدب المقارن.

إنه منهج بات يعرف "بالمدرسة الأمريكية" أو "المدرسة النقدية"، وهو منهج يدرس الظواهر الأدبية بصورة تتجاوز الحدود القومية لتلك الظواهر.

فالظواهر الأدبية الرئيسة، من أجناس وتيارات أدبية، لم تكن في يوم من الأيام محصورة في أدب قومي واحد أو مقتصرة عليه، بل تتعداه إلى آداب قومية مختلفة، وكثيراً ما تكون عالمية.

وعندما يدرسها المرء دراسة مقارنة فإنه لا يتصنّع شيئاً بل يدرسها في إطارها الطبيعي الصحيح.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال