إن موقع (سيدة المقام) من النصوص السابقة التي أنتنجها (واسيني الأعرج) منذ نهاية السبعينات تتقاطع كلها عند الهاجس المركزي للكاتب، وهو الهاجس السياسي.
لكنها تستقل بعضها عن بعض في حدود ما تسمح به استراتيجيات الخطاب الروائي الذي يكتسب موقعه وفاعليته كل مرة انطلاقاً من الرواية والموقف.
وتمثل (سيدة المقام) نقطة انزياح عن مسار جديد سلكه واسيني في تجربته منذ (نوار اللوز) ثم "فاجعة الليلة السابعة بعد الألف" وهما روايتان يشتغلان على التناص مع أشكال سردية تراثية، ويحاولان تقديم قراءات أكثر حداثة للتراث من منظور الوعي الجديد، الذي يتشكل إثر سلسلة الصدمات والتفاعلات المختلفة بين الذات العربية والآخر في كل تجلياته.
والقول بالانزياح عن هذا المسار قد يفتح أفق الانتظار على تجربة مغايرة من حيث طبيعة الشكل السردي الذي تمثله (سيدة المقام) ذلك أنه ينبغي أن يتميز من النصين السابقين، من حيث الإضافات المختلفة، لاسيما وأن الأمر يتعلق بسلسلة نقلات على مسار الرواية يدفعه هاجس الإبداع إلى مزيد من البحث عن كل نقاط التفرد الممكنة.
غير أن اللافت في هذا النص هو أنه يكاد يعيدنا إلى نصوص ما قبل تجربة التناص (وقائع من أوجاع رجل غامر صوب البحر) و (مصرع أحلام مريم الوديعة) حيث الحكي لا يستند إلى مرجعية جاهزة ذات بنية منتهية، بل يعتمد على تداعيات اللحظة بالاستفادة من الضغوط التي تقع تحت طائلتها الذات الساردة.
لكنه من الصعب الإقرار بالأمرين: الانزياح الكلي عن تجربة التناص والعودة إلى المرحلة الأولى لسببين:
1- إن التراث الحاضر في سيدة المقام، ليس هو محور اشتغال النص لكن رواسبه تطفو من خلال نمط تكوين شخصية مريم المسكونة بشهرزاد إلى حد الذوبان فيها، والتضحية بروحها من أجل تجسيدها على الخشبة، أو إعادة بعثها من عتمات اللاوعي أو الوعي المحاصر بالممنوعات.
2- تنشأ بين -سيدة المقام- ونصوص ما قبل تجربة التناص مفارقة جوهرية تكمن في علاقة النص الروائي بالحركيات المختلفة، بدوره وفعاليته في الحركية التاريخية.
ونطرح هنا قدرة النص، أي النص وبالتالي أية رؤية على مقاربة الواقع من زاوية تدينه في حدود الإرهاص والتنبؤ وهو من استراتيجيات الخطاب كالخطاب الروائي.
إن نصوص واسيني التي أنتجها قبل تجربة التناص مواقف من وقائع اللحظات الآنية، أو أزمنة ماضوية.
لكن الأمر مختلف بالنسبة لسيدة المقام، إن المعيش فيها يؤسس لوقائع لاحقة إلى درجة القول إنها رواية تقدم قراءة أو رؤية مستقبلية، ولذلك كانت فعالية الخطاب محققة، خاصة وأن الرواية تلامس بكثير من الجرأة والعمق مقدمات الحقبة الدموية التي تعيشها الجزائر منذ سنوات.
التسميات
باك ج