أضرب وأنواع الخبر.. مواضع خروج الخبر عن مقتضَى الظاهر



أضرب وأنواع الخبر:

حيثُ كان الغرضُ من الكلام الإفصاحَ والإظهارَ، يجبُ أن يكونَ المتكلمُ مع المخاطَبِ كالطبيبِ مع المريضِ، يشخِّصُ حالتَهُ، ويعطيهِ ما يناسبُها.
فحقُّ الكلامِ:، أن يكونَ بقدرِ الحاجةِ، لا زائداً عنها، لِئلا يكونَ عبثاً، ولا  ناقصاً عنها، لئلا يُخِلَّ بالغرضِ، وهو: الإفصاحُ والبيانُ.

اختلاف صور الخبر باختلاف أحوالِ المخاطبِ:

لهذا تختلفُ صورُ الخبرِ في أساليب اللغةِ باختلافِ أحوالِ المخاطبِ الذي يعتريهِ ثلاثةُ  أحوالٍ:

أولا: أنْ يكونَ المخاطبُ خاليَ الذهنِ من الخبرِ، غيرَ مترددٍ فيه ولا منكرٍ له:

وفي هذه الحالِ لا يؤكدُ له الكلامُ، لعدم الحاجةِ إلى التوكيد نحو قوله تعالى: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» [الكهف/46].
ويسمَّى هذا الضربُ من الخبرِ (ابتدائياً)، ويستعملُ هذا الضربُ حين يكون المخاطبُ خاليَ الذهنِ من مدلولِ الخبرِ، فيتمكنُ فيه لمصادفتهِ إياهُ خالياً.
 

ثانياً: أنْ يكونَ المخاطبُ متردداً في الخبرِ، طالباً الوصولَ لمعرفتهِ، والوقوفَ على حقيقته:

فيستحسنُ تأكيدُ  الكلامِ المُلقَى إليه تقويةً للحُكم، ليتمكَّنَ من نفسهِ، ويطرحَ الخلافَ وراء ظهرهِ، نحو: إنَّ الأميرَ منتصرٌ.
ويسمَّى هذا الضربُ من الخبرِ (طلبياً) ويؤتَى بالخبرِ من هذا الضربِ حين يكونُ المخاطبُ شاكَّا في مدلولِ الخبرِ، طالباً التثبُّتَ من صدقهِ.

ثالثاً: أنْ يكونَ المخاطَبُ منكراً للخبرِ الذي يرادُ إلقاؤهُ إليه، معتقداً خلافَهُ:

فيجبُ تأكيدُ الكلامِ  له بمؤكدٍ أو مؤكدينِ أو أكثرَ، على حسبِ حالهِ من الإنكارِ، قوةً  وضعفاً، نحو: إنَّ أخاك قادمٌ – أو إنهُ لقادمٌ – أو واللهِ إنه لقادمٌ، أو لعمري  إنَّ الحقَ يعلو ولا يُعلَى عليهِ.
وكقوله تعالى: {إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [البقرة/120]، وكقوله تعالى عن النبي يعقوب عليه السلام: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف/68].

ويسمَّى هذا الضربُ من الخبر (إنكارياً)، ويؤتَى بالخبرِ من هذا الضربِ حين يكونُ المخاطَبُ مُنكراً، واعلمْ أنهُ كما يكونُ التأكيد في الإثباتِ، يكون في النفي أيضاً، نحو: ما المقتصدُ بمفتقرٍ، ونحو: واللهِ ما المُستشيرُ بنادمٍ.

أدوات توكيد الخبر:

لتوكيدِ الخبر أدوات كثيرة، أشهرُها إنَّ، وأنَّ، ولام الابتداءِ، وأحرفَ التنبيه، والقسمِ، ونونا التوكيد، والحروف َالزائدة (كتفعل واستفعل) والتكرارَ، وقدْ، وأمَّا الشرطيةُ، وإنما واسميةُ الجملةِ، وضميرَ الفصل، وتقديمَ الفاعل المعنويِّ.

خروجُ الخبر عن مقتضَى الظاهرِ:

 قدْ تقتضي الأحوالُ العدولَ عن مقتضَى الظاهرِ، ويورَدُ الكلامُ على خلافهِ لاعتباراتٍ يلحظُها المتكلِّمُ، ومنها:

 (1)- تنزيلُ خالي الذهنِ منزلةَ السائلِ المترددِ، إذا تقدمَ في الكلام ما يشيرُ إلى حكمِ الخبر:

كقوله تعالى على لسان النبي يوسف عليه السلامُ: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي [يوسف/53]) فمدخولُ إنَّ مؤكدُ لمضمونِ ما تقدَّمه، لإشعارهِ بالترددِ، فيما تضمنَهُ مدخولُها– وكقوله تعالى مخاطبا النبي نوح عليه السلامُ: «وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)» [هود/37]، لما أمرَ المولى «نوحاًعليه السلامُ» أوّلاً بصنعِ الفلك، ونهاهُ ثانياً عن مخاطبتهِ بالشفاعةِ فيهم، صارَ مع كونهِ غير َ سائلِ في مقام السائلِ المترددِ،هل حكَمَ اللهُ عليهم بالإغراقِ فأجيبَ بقوله تعالى: «إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ».

(2)- تنزيلُ غيرِ المنُكِر منزلةَ المنكِر:

إذا ظهرَ عليه شيءٌ من أماراتِ الإنكارِ، كقول حَجَل بن نضلَة القيسيِّ «من أولادِ عَمِّ شقيقٍ»:
جاءَ شقيقٌ عارضاً رُمْحَهُ + إنّ بَني عمِّكَ فيهم رِماحْ
(فشقيقٌ) رَجلٌ لا يُنكرُ رماحَ بني عمّه، ولكنَّ مجيئهُ على صورةِ المعجَبِ بشجاعتهِ، واضعاً رُمحَه على فخذيهِ بالعرضِ- وهو راكبٌ-  أو حَاملاً له عرضاً على كتفهِ في جهةِ العدُوِّ بدون اكتراثهِ به، بمنزلةِ إنكارهِ أنَّ لبني عمّهِ رماحاً، ولنْ يجدَ منهم مُقاوماً له ،كأنهم كلَّهم في نظرهِ عُزَّلٌ، ليسَ مع أحد منهم رمحٌ.
فأكَد له الكلامَ استهزاءً به، وخُوطبَ خطابَ التفاتٍ بعد غيبةٍ تهكُّماً به، ورمياً لهُ بالنزَّقِ وخرقِ الرَّأي.

 (3)- تنزيلُ المنكِرِ منزلةُ الخالي:

إذا كانَ لديه دلائلُ وشواهدُ لو تأمَّلها لارتدعَ وزال إنكارُه، كقوله تعالى: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)  [البقرة/163])، وكقولكَ لمن ينكرُ منفعةَ الطبِّ (الطبُّ نافعٌ).

(4)- تنزيلُ المترددِ منزلةُ الخالي:

كقولكَ للمترددِ في قدومِ  مسافرٍ معَ شهرته: قدِمَ الأميرُ.

(5)- تنزيلُ المترددِ منزلةَ المنكرِ:

كقولكَ للسائلِ المستبعِدِ لحصولِ الفرجِ: إنَّ الفرجَ لقريبٌ. ونحو قوله الله تعالى: {..أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} (214) سورة البقرة.


ليست هناك تعليقات