شرح وتحليل قصيدة رثاء الأندلس للشاعر أبي البقاء الرندي



تحليل قصيدة رثاء الأندلس للشاعر أبي البقاء الرندي:


التعريف بالشاعر: 

هو أبو البقاء صالح بن يزيد الرندي الأندلسي، ولد سنة (604هـ).

كان حافظا للحديث، فقيها، بارعا في منظوم الكلام ومنثوره، ومن الأغراض التي طرقها المدح والغزل والوصف والزهد، وكان أبو البقاء مصنفا، ألف في الفرائض (تقسيم الإرث) نظما ونثرا، وله أيضا مقامات بديعة.
ومن أشهر كتبه: الوافي في نظم القوافي، ومختصر في الفرائض، وتوفي أبو البقاء سنة 684هـ.

المناسبة: 

نظم أبو البقاء هذه القصيدة بعد ضياع عدد من المدن الأندلسية، وسقوطها بيد الإسبان فقال هذه القصيدة يستنصر أهل أفريقيا من بني مرين ، بعد أن أخذ بعض ملوك بني الأحمر بالتنازل عن عدد من القلاع والمدن للإسبان استرضاء لهم، وأملا في أن يبقى له حكمه على غرناطة، وكان ذلك نذيرا بسقوط الأندلس، وزوال ملك المسلمين فيها، بسبب تناحرهم واستعانتهم بعدوهم.

الإضاءة النقدية:

تعد هذه القصيدة من روائع ما قيل في الشعر العربي في رثاء الممالك والمدن، ومما زاد في شهرتها ارتباطها بتلك الأحداث المؤلمة التي عصفت بدولة الإسلام في الأندلس.

ونستطيع أن نتبين من خلال النص الوارد بين أيدينا أهم السمات لشعر رثاء الممالك:

1- صدق العاطفة:

ويتضح ذلك من خلال ما ورد في هذه القصيدة من معان معبرة، وإضفاء طابع الحزن عليها.

2- سهولة الألفاظ، والابتعاد عن التعقيد اللفظي والمعنوي:

وذلك لأن الموقف موقف بكاء، ولا يحتمل ذلك.

3- تضمين الحكمة لأخذ العبر من الأمم السابقة:

كما ورد في الأبيات الثلاثة الأولى، وذكر أحوال الأمم السابقة مثل: قوم عاد، والفرس.. وغيرهم.

4- استخدام المحسنات البديعية:

من طباق وجناس دون تكلف، مثل قوله: (سره، ساءته )، (ومُلك ومَلك).

5- استخدام اسلوب الاستفهام بكثرة:

لأغراض بلاغية في القصيدة كما في البيت الرابع عشر حيث أفاد الاستفهام معنى التحسر.

الشرح:

(1)- يفتح الشاعر قصيدته بذكر حكمة بالغة ومؤثرة لا تعبر عما يكابده ويلاقية من الأسى والحرمان والحزن قائلا: إن كل أمر في هذه الحياة إذا تم بدأ بالنقصان، فيجب على كل مخلوق ألا يعتبر شيء في هذه الحياة ، فإن نعيمها زائل.
- (يعتبر البيت حكمة) (”تم، نقصان) طباق إيجاب.

(2)- يقول الشاعر: - إن أمور هذا الكون وحوادثه دول وحالات غير ثابتة ومتقلبة الأحوال ، فمن سره زمن ساءته أزمان والدهر لا يبقى على حالة واحدة، ويوضح معنى هذا البيت قول الشاعر:
في ذمة الله إن الدهر خوان منغص العيش أفراح وأحزان
- (تقديم ضمير الشأن ”هي“ للتخصيص فهو يريد أن يلفت انتباه السامع قائلا: هي الأمور كما شاهدتها دول / فهو كان يستطيع القول شاهدت جميع الأمور دول) (سره - ساءته) طباق إيجاب.

(3)- يقول الشاعر: إن هذه الدار وهذا الدهر لا يبقى أحدا فيه فهو يغني الجميع كذالك لا يبقى على حال واحدة ، فمرة يغمرنا بالأفراح ومرة يسبل علينا ثوب الهموم والأحزان ، فكل نعيم في هذه الدنيا مصيره الزوال ويوضح معنى هذا البيت قول الشاعر:
ألا كل ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
- (شبه الدار بالإنسان الذي يتحرك فيعطي ويترك فالاستعارة مكنية).

(4)- يبدأ الشاعر في هذه الأبيات بالتدليل على ما ذكره سابقا من زوال نعم الدنيا وأن دوام الحال من المحال فيتساءل للاعتبار أين ذهب أصحاب الممالك السابقة من الملوك الذين حكموا الأرض أصحاب الطول، الذين لبسوا التيجان والأكاليل.
- (أين الملوك ذوو التيجان) (أين منهم أكاليل وتيجان) استفهام إنكاري تعجبي. (التيجان) (تيجان) جناس تام.

(5)- يواصل الشاعر استدلاله وذكره للأمثلة على ما قاله (ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد) يقول الشاعر متعجبا (أين ما آتاه وشاده هؤلاء الملوك من حضارة وبنيان وأين ما تحدثنا به الكتب التاريخية من عجائب الأمور ويقول: أين ما بناه وشادة شداد في إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وأين ما حكمه وخططه الفرس وأين إيوان كسرى وقصره العظيم.
- في هذا البيت يوجد استفهام انكاري تعجبي، بين  شاده، شدّاد ) جناس ناقص)، (ساسه، ساسان) جناس ناقص.

(6)- يقول الشاعر: أين ما ملك قارون من الأموال والذهب وأين قوم عاد وشداد وقحطان الذين اشتهروا في زمانهم وزماننا هذا والذين سطرتهم كتب التاريخ لعظمتهم.
- يوجد في هذا البيت استفهام انكاري تعجبي

(7)- بعد أن تسائل الشاعر أين ذهب هؤلاء جميعا!
وهل استطاعت حضارتهم وما كانوا فيه من النعيم أن تدوم وتبقى؟
إنها الآن أثر بعد ولم تغن عنهم أموالهم وتيجانهم شيئا وبين مصيرهم جميعا بأنه الموت والفناء فقد أتاهم أمر من الله وقضي عليهم.
- شبه الموت بإنسان يأتي ويذهب على سبيل الاستعارة المكنية.

(8)- يواصل الشاعر بيان مصير هؤلاء الملوك قائلا: إن كل من الملوك وملكهم صارا وكأنهما لم يكونا، وكان ذلك الملك ما هو إلا خيال وحلم.
- (مُلك، ملك) يوجد جناس ناقص.

(9)- في هذا البيت يسلي الشاعر نفسه ويعزيها عما حل بديار المسلمين من دمار وتخريب ليأخذ المسلمون العبرة من ذلك ويتعظوا بما حدث ويقول إن هذا الأمر ليس غريبا فقد دار وانقلب الزمان على دارا وقاتله كما أم (من الإمامه) الناس وتولاهم ولكن لم يحميه إيوانه وقصره العظيم منهم ومن كيدهم ( يريد أن يقول أن ضياع دولة المسلمين في الأندلس ليس غريبا فقد حصل ذلك أيضا للعديد من الممالك والملوك).
- (دار الزمان) شبه الزمان بالشيء الذي يغدر وينقلب على صاحبه وحذف المشبه به على سبيل الاستعارة المكنية.

(10)- يقول الشاعر إن مصائب الدهر وحوادثه الضخمة والشديدة عزاء لما أصابه، ولكن ما حل بالإسلام ليس له عزاء لشدة وعظم المصيبة فلا يستطيع أي انسان نسيان هذه المصيبة.
- (سلوان - سلوان) جناس تام.

(11)- يدلل الشاعر على ما قاله في البيت السابق فيصور هول المصيبة وشدتها لدرجة تصدع الجبال الراسيات (أحد وثهلان) حتى كادت أن تسقط.
- (هوى له أحد وانهد ثهلان) كناية على شدة وقع المصيبة وهولها.

(12، 13، 14)- يبدأ الشاعر بذكر ما أصاب ديار الإسلام في الأندلس متحسرا على تلك المدن التي ضاعت من ليديهم لاسيما (بلنسية، مرسية، شاطبة، جيّان، قرطبة، حمص) ويبين ما حل بها من مصائب وأهوال ويعدد مناقب هذه المدن وفضائلها قائلا: أين قرطبة التي كانت تزخر بالعلوم والمعارف والتي أخرجت الكثير من العلماء الذين أصبح لهم شأن كبير في سبيل الرقي والازدهار، وأين حمص وروابيها وإزهارها وأنهارها العذبة المليئة بالخير العميم.
- الأسلوب في البيت استفهامي غرضه التحسر والتعجب).