ملامسة وظيفة المخرج لإبراز صورته اللاإنسانية في مسرحية "عطيل والخيل والبارود" لعبد الكريم برشيـد.. تحويل الممثل إلى كائن ليس له أي انتماء ذاتيا كان أو جماعيا



إن مسرحية "عطيل والخيل والبارود" لعبد الكريم برشيـد تتخذ من ملامسة وظيفة المخرج مطية لإبراز صورته اللاإنسانية، لأنه يريد تحويل الممثل إلى كائن ليس له أي انتماء ذاتيا كان أو جماعيا، زمانيا كان أو مكانيا، أي يريد تجريده من صفة "إنسان".

من ثم، يمكن القول إن مفهوم الإخراج في مسرحية برشيد ليس مطروقا باعتباره قضية فنية صرفة، وإنما باعتباره قضية إيديولوجية تعكس مفهوما خاصا عن الإنسان.
ولعل ما يزكي هذا الاستنتاج هو كيفية تعامل المسرحية مع موضوعة الصراع في المسرح.

فملامح الصراع كما حددها المخرج تعكس البعد الشيطاني في شخصيته، لاسيما وأنه يجعل طرفيه الأساسيين هما: الإنسان والمخلوق الغريب الذي يهوى اصطياد البشر:
"المخرج: ألا فاعلموا إذا أنني أنا من سيعود بالمسرح إلى أمجاده الوردية، أنا مـن سيرفع من قدر الصراع.
رحم الله أيام زمان... لقد كان الإنسان عملاقا ماردا يحارب الأقدار، يحارب الغيب، يحارب المجهول.
كان الممثلون أنصاف آلهة لم يكونوا من الناس الذين يصيبهم الزكام.
لم يكونوا ممن تتغذى الأوساخ من أجسادهم الهزيلة.
سأعـيد إليكـم قاماتـكم العملاقـة وأقنعـتكم التي تضخم الأصوات سأدخلكم الحلبة وأجعلكم تحاربون مخلوقا غريبا..".

إن هذا المخلوق الغريب يجسد الحقيقة الخفية للمخرج باعتباره رمزا لكل ماهو ضد - إنساني. لذا، فهو يشبه في النص بالغراب والبوم والجراد والأسد، أي بكل الحيوانات التي تقوم حياتها على الاصطياد والافتراس.

وإذا كانت موضوعة الحياة والتمثيل قد جعلت النص ينخرط في حوار فلسفي، وإذا كانت قضية العلاقة بين المخرج والممثل قد أفصحت عن بعده الإيديولوجي؛ فإن موضوعة الارتجال سوف تعيد النص إلى ذاته، أي إلى قضيته الأدبية الخالصة، وبالتالي إلى لعبة المرايا الداخلية، لنكتشف، من خلالها، بعض ملامح ما يسمى بالكتابة الاحتفالية التي تتمرد على النص الجاهز وتتعامل مع الارتجال بصيغة مميزة:
"المخرج: أنا لا أملك نصا جاهزا.
كل ما بين يدي مشروع فقط. خطوط تحتاج إلى تلوين وهيكل ينتظر أن يكسى لحما ودما.. سألقي بكم داخل الحلبة (يدفعهم داخل الحلبة) هيا ادخلوها.
ادخلوا ثم انتظروا الدقات الثلاث (تسمع مـن الخارج دقات ثلاث)".

إن صيغة المشروع أو الخطوط التي يلح عليها المخرج تجعلنا نفهم أن النص يبنى عن طريق الارتجال فوق الخشبة، لاسيما وأنه يدفع الممثلين إليها ويعلن توا عن البداية.

وتذكرنا هذه الطريقة بالارتجال القائم على ما يسمى بالخطاطة Canevas، كما هو الشأن في الكوميديا المرتجلة.

ولعل هذه العلاقة بين مفهوم الارتجال الاحتفالي والكوميديا المرتجلة هي التي يؤكدها المنيعي قائلا: "وبما أن الاحتفالية ترى "أن الحفل المسرحي هو مناسبة من أجل الإخراج عما بالداخل وترجمته إلى فعل وحركات وأصوات"، فإن مسرحية عطيل - كاحتفال مسرحي - توازي في هذا الموقف الكوميديا المرتجلة التي كانت تلجأ إلى الضحك واللعب المقنع لتفجير باطنية الإنسان المسحوق والتأكيد على مشاكله".