بين الأسطورة والواقع: تفنيد مفهوم السحر الأبيض كطريق للخير والنفع وكشف علاقته الحقيقية بالكفر والشرك في الشريعة الإسلامية

السحر الأبيض: حقيقة أم وهم؟

يتداول البعض مفهوم "السحر الأبيض" كنوع من السحر يُزعم أنه يختلف عن السحر الأسود بكونه لا يُلحق الضرر بأحد، بل يسعى لتحقيق الخير والنفع للفرد والمجتمع. يُصوّر هذا النوع من السحر على أنه أداة قوية تُستخدم لتحقيق أهداف إيجابية، مثل جلب الحب والتآلف بين الناس، زيادة الرزق والبركة، إعادة الحبيب المفقود، العثور على الأشياء الضائعة (الضالة)، أو حتى العلاج والشفاء من الأمراض المستعصية.

يُعتقد أن السحر الأبيض يلتزم بالحدود الأخلاقية ولا يتعارض مع أعراف وقوانين المجتمع. ويُشير بعض المؤيدين لهذا المفهوم إلى أن قوته مستمدة من كائنات روحية صالحة، مثل الجن المؤمنين الصالحين، أو حتى الملائكة، الذين يُزعم أنهم يتعاونون مع الساحر الأبيض لتحقيق هذه الأهداف النبيلة.

أنواع السحر الأبيض المزعومة:

تُحدد الأفكار الشائعة حول السحر الأبيض نوعين رئيسيين يُعتقد أنهما الأكثر انتشارًا واستخدامًا في مختلف الثقافات حول العالم:
  • سحر التنبؤ بالمستقبل أو الغيب: يهدف هذا النوع إلى كشف الأحداث المستقبلية، أو التنبؤ بما هو مخفي وغير معلوم (الغيب). يُزعم أنه يُمكن استخدامه لتحذير الناس من المخاطر المحتملة، أو مساعدتهم على اتخاذ قرارات أفضل بناءً على معرفة مسبقة بالأحداث، أو حتى للتخطيط للفرص المستقبلية. تشمل أساليبه قراءة الطالع، التنجيم، قراءة الكف، وغيرها من الممارسات التي تدعي الكشف عن المجهول.
  • سحر العلاج والتداوي والتطبيب: يُعد هذا النوع من أكثر أنواع السحر الأبيض جاذبية للعامة، حيث يُزعم أنه يُستخدم لعلاج الأمراض التي يُعجز الطب التقليدي عن علاجها، أو تخفيف الآلام، أو حتى الشفاء من العلل الروحية والنفسية. يُمكن أن يتضمن طقوسًا معينة، استخدام أعشاب أو مواد خاصة، أو ترديد تعويذات بهدف استعادة الصحة والعافية.

المنظور الشرعي والديني: السحر كله شرك وكفر

على النقيض تمامًا من هذه التصورات المنتشرة، يُجمع علماء الدين والشريعة الإسلامية على أن السحر بجميع أنواعه وأشكاله هو كفر بالله تعالى وشرك به. لا يوجد شيء اسمه "سحر أبيض" أو "سحر خير". هذا المفهوم ما هو إلا وهم وتضليل يهدف إلى تجميل صورة السحر وإضفاء شرعية زائفة عليه في أذهان الناس، ليُصبح أكثر قبولًا لديهم.

الحقيقة الراسخة في الشريعة الإسلامية هي أن السحر كله قائم على الاستعانة بالشياطين وطاعتها والتقرب إليها بالشرك والكفر. فالساحر، سواء زعم أنه يستخدم سحرًا "أبيض" أم "أسود"، لا يمكنه أن يُنفذ عمله إلا بالتعامل المباشر مع الشياطين وعبادتها من دون الله. وهذا يتضمن:
  • الكفر بالله: الساحر يتنازل عن إيمانه بالله ويتقرب إلى الشياطين من خلال أعمال الكفر الصريح، مثل تدنيس المقدسات (كتاب الله)، أو التلفظ بكلمات كفرية، أو فعل محرمات عظيمة.
  • عبادة الشياطين: تتم طاعة الشياطين عن طريق القيام بما تطلبه منهم من أفعال ومعتقدات تخالف الشرع والعقل. هذه الطاعة هي شكل من أشكال العبادة لغير الله.
  • إضلال البشر: هدف الشياطين هو إضلال بني آدم وجرهم إلى الكفر والشرك والمعصية، والسحر هو أحد أقوى أدواتها لتحقيق هذا الهدف.
أما ما يُشاع عن أن السحر الأبيض يعتمد على صالحي الجن أو الملائكة، فهو محض كذب وبهتان. الملائكة هم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولا يمكنهم بأي حال من الأحوال أن يتعاونوا مع السحرة في عمل قائم على الكفر والشرك. وكذلك الجن الصالحون والمؤمنون، هم كائنات طائعة لله ومتمسكة بشرعه، ولا يمكن أن يُشاركوا في أعمال السحر التي تُعد من أكبر الكبائر. إنهم يتبرؤون تمامًا من هذه الممارسات.

لماذا يُروّج لمفهوم السحر الأبيض؟

يرجع الترويج لمفهوم السحر الأبيض إلى عدة أسباب:
  • خداع الناس: لجعل السحر يبدو مقبولًا وغير ضار، وبالتالي جذب المزيد من الناس للتعامل مع السحرة.
  • التبرير الذاتي: بعض السحرة قد يحاولون تبرير أفعالهم لنفسهم وللآخرين بادعاء أنهم يقومون بأعمال "صالحة".
  • التأثير النفسي: قد يلجأ البعض إلى السحر الأبيض بدافع اليأس أو الرغبة في حل مشكلاتهم بطرق سريعة وغير تقليدية، فيتم استغلال هذا اليأس.

خلاصة:

إن التصديق بوجود "سحر أبيض" نافع هو وهم خطير يُبعد الإنسان عن طريق الحق ووقوعه في الشرك الأكبر. السحر كله شر، ومصدره الشياطين، ولا يمكن أن يأتي منه خير أبدًا. يجب على المسلم الابتعاد كليًا عن كل أشكال السحر والكهانة والعرافة، والتوكل على الله وحده في جلب النفع ودفع الضر، والالتزام بأحكام الشرع الحنيف في كل أمور حياته.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال