توسيع حدود التخصصات العلمية بالجامعة.. إقامة علاقات تحالف وشراكة بين الجامعة والمؤسسات الأخرى والتعامل مع عصر اقتصاد المعرفة



فرضت حقائق السوق، ومستلزمات القيام بعملية التعليم فى ظل هذه الحقائق، عدة تغيرات فى هيكلية وبنى التخصصات العلمية، حيث اتجهت العديد من الجامعات الغربية إلى إعادة التخطيط والتركيب للتخصصات العلمية، وظهرت محاولات للدمج بين بعضها لتظهر بنى معرفية جديدة لهذه التخصصات. 
كما فرضت عملية انتقال ممارسات البحث العلمي من داخل معامل الكليات إلى الميدان و في مقار الشركات، رؤى جديدة فى بحث الظواهر، ومن ثم في إنتاج المعرفة، فالبحث داخل معامل الكليات كان يتم على نماذج لمحاكاة مشاكل الواقع، ويتم من خلال عزل وانتقاء بعض المتغيرات، مما يجعل الباحثون يتناولون مشكلات مصطنعة إلى حد كبير، بينما قادت عملية انتقال البحث ليتم فى الميدان وداخل مواقع العمل إلى ضرورة تناول الباحثين لمشكلات بحوثهم كما هى فى الواقع وبشكلها الحقيقى، وإلى بحث الظاهرة ككل بدلاً من الاكتفاء بتناول بعض متغيراتها، وتطلب كل ذلك من الأكاديميين تجاوز حدود التخصص الضيق، وضرورة الانتباه للترابط بين الحقائق والمبادئ العلمية فى عدة مجالات وتخصصات، ومن ثم ظهرت بنى من المعرفة تتصف بأنها بينية التخصصات Interdisciplinary وتعددية التخصصات  Multi disciplinary ومتعدية التخصصات Transdisciplinary .
وربما يطرح ما سبق أمامنا علامات استفهام كثيرة عن الأساليب التى تتبعها جامعاتنا فى إعداد عضو هيئة التدريس، والتى تعتمد فى معظمها على اعداده من خلال قيامة ببحث فردى، وأيضا حول جدوى ما تم من تعديلات باضافة بعض المقررات يدرسها الطلاب فى مرحلتى الماجستير والدكتوراه، وخاصة إذا كانت هذه المقررات تدعم وتؤكد على تعمق الطالب فى تخصصه الدقيق والضيق بدلا من أن تساعده على توسيع مدركاته فى تخصصات أخرى.
كما يطرح علينا هذا التحول استفسارات اخرى حول وضعية التخصصات والاقسام العلمية فى كلياتنا، ومدى مناسبتها لإقامة علاقات تحالف وشراكة بين الجامعة والمؤسسات الأخرى، وللتعامل مع عصر اقتصاد المعرفة. وليس من الافتئات القول بإن الاقسام الأكاديمية الحالية بكلياتنا وبالانفصال والفجوات بينها، تعد من أهم أسباب عدم قدرة جامعاتنا على الاستبصار بشكل كامل لواقع المجتمع ومشكلاته.