أدى التوجه نحو إقامة الشراكات والتحالفات إلى وضع الجامعة فى قلب الأحداث الاجتماعية، وبهذا تحول الدور الثالث للجامعة، وهو دورها فى خدمة المجتمع، ليصبح بمثابة فلسفة اجتماعية عامة، توجه الجامعة في ممارستها لدوريها الأخرين وهما: "التعليم والبحث".
كما نتج عن علاقات التحالف والشراكة ثورة عميقة فى الجامعة نفسها، وكان أهم نتائج هذه الثورة أن تقاربت ثقافة الحرم الجامعى وثقافة المجتمع الخارجى، مما وفر للجامعة السياق الاجتماعى الذى ساعدها على نشرها للعلم كمنهج وحقائق ومعرفة وتطبيقات، كما أفرز ذلك وعيا اجتماعيا بأهمية العلم ودوره فى الحياة، وقد كان لتوافر هذا الوعى أثره الإيجابى على الجامعة والمجتمع، و يتمثل ذلك فيما يلي:
1- توافر وعى الجمهور العام بأهمية العلم هو الذى شجع على مزيد من الطلب الاجتماعى للمعرفة، وحفز الكثير من المؤسسات المنتجة للمعرفة ومنها الجامعات على مزيد من الإبداع والابتكار.
وهنا يتبادر إلى الذهن تساؤلات عدة عن قضية الوعى بالعلم فى واقعنا الاجتماعى فهل يتوافر لدينا وعى اجتماعى مناسب بالعلم يساعد على تحفيز جامعاتنا على الإبداع؟
وما متطلبات توفير هذا الوعى؟
وما متطلبات توفير هذا الوعى؟
وكيف يمكن لمؤسسات تعليمنا الجامعى بالشراكة مع المؤسسات الإعلامية العمل على بث هذا الوعى والتأكيد عليه؟ وما دور جامعاتنا فى ذلك؟
مما لاشك فيه أنه يمكن لجامعاتنا بالتحالف أو الشراكة مع المؤسسات الإعلامية، ومع نظام التعليم العام، القيام بدور فى سبيل بث الوعى بالعلم، وبأهميته فى الحياة، وضرورة الأخذ بالعلم كحقائق ومنهج تفكير فى التعامل مع المشكلات.
وهنا يظهر دور الأستاذ الجامعى فى تبسيط المعرفة العلمية، ونشرها.
فهل تم إعداده لذلك؟
2- توافر الوعي بدور العلم فى الحياة لدى الباحثين، حيث أصبح هذا الوعى هو الذى يوجههم فى ممارستهم العلمية ويؤكد على ما يرتبط بأدوارهم من إلتزامات ومصالح اجتماعية.
وما نود لفت الانتباه إليه أن وعى الباحثين هذا قد يتحول فى بعض الأحيان من تأثيره الإيجابى إلى الجانب السلبى، وهذه الحالة قد تكون بسبب انتقال الباحث مكانيا وذهنيا من العمل البحثى وفق المنطق الليبرالى إلى العمل البحثى وفق منطق اقتصاديات المعرفة، والذى فيه تباع المعرفة وتشترى ويكون هناك حقوق لاستخدامها.
وفي هذا الانتقال سيجد الباحث أنه لزاما عليه التخلص من كثير من الافتراضات الابستمولوجية التى اكتسبها من عملية الإعداد الأكاديمى، ويسلب من الجامعة كفكرة سمتها الليبرالية.
وربما تؤكد هذه القضية على ضرورة توفر دستور أخلاقى للتعامل مع المعرفة، وخاصة المتعلقة ببعض الأبعاد الإنسانية الحيوية كقضايا الهندسة الوراثية والاستنساخ، وكذلك القضايا التى تهم فى تنمية المجتمعات الفقيرة، وهذه قضية لا تهم الجامعة فقط، ولكنها قضية اجتماعية وحضارية بالدرجة الأولى.
3- لقد وفر التقارب والتداخل بين ثقافة الحرم الجامعى وثقافة المجتمع للعديد من الجامعات فى الغرب الحافز للمغامرة والمخاطرة، وهذا الحافز هو ربما ما افتقدته فى الماضى كثير من جامعات الدول الاشتراكية.
ولهذا فبالرغم من إنجازات هذه الجامعات فى دولها الاشتراكية، إلا أنها توجهت بهذا الإنجاز وجهات غير اجتماعية، ولم يكن لديها المرونة الكافية للتكيف الاجتماعى، مما افقدها الحس الاجتماعى، وانعكس ذلك بالسلب على دورها التنموي.
وعموما فإن تجربة التفاعل الاجتماعى للجامعات فى الدول الاشتراكية تجربة تستحق أن تدرس وبشكل أكثر تفصيلا، لأننا تأثرنا بها فى بعض الفترات، وخاصة تلك التى نهجنا فيها النهج الاشتراكى فى سياساتنا العامة، والذي انعكس على سياسات تعليمنا الجامعي، ومازلنا نتأثر ببعض جوانبه حتى الآن.
التسميات
تعليم جامعي