ضعف الغيرة وضعف الإيمان (المعاصي).. كلما هاجت أمواج المعصية خبت نار الغيرة في القلب التي هى لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن



الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وبقدر إيمان العبد تكون غيرته وتعظيمه حرمات ربه، ومثل المعصية والغيرة كمثل الماء والنار، فكلما هاجت أمواج المعصية خبت نار الغيرة في القلب.

قال ابن القيم: "فصل: ومن عقوباتها [أي المعاصي] أنها تطفيء من القلب نار الغيرة التي هى لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن، فإن الغيرة حرارته وناره التي تخرج ما فيه من الخبث والصفات المذمومة كمال يخرج الكير خبث الذهب والفضة والحديد وأشرف الناس وأعلاهم قدراً وهمة أشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس، ولهذا كان النبي أغير الخلق على الأمة والله سبحانه أشد غيرة منه.

فالغيور قد وافق ربه سبحانه في صفة من صفاته ومن وافق الله في صفه من صفاته قادته تلك الصفة إليه بزمامه، وأدخلته على ربه وأدنته منه وقربته من رحمته وصيرته محبوباً له.

 ولو لم يكن في الذنوب والمعاصي إلا انها توجب لصاحبها ضد هذه الصفات وتمنعه من الاتصاف بها لكفى بها عقوبة.. والمقصود أنه كلما اشتدت ملابسته للذنوب أخرجت من قلبه الغيرة على نفسه وأهله وعموم الناس.

وقد تضعف في القلب جداً لا يستقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه ولا من غيره وإذا وصل إلى هذا الحد فقد دخل في باب الهلاك، وكثير من هؤلاء لا يقتصر على عدم الاستقباح بل يحسن الفواحش والظلم لغيره ويزينه له ويدعوه إليه ويحثه عليه ويسعى له فى تحصيله.

ولهذا كان الديوث أخبث خلق الله والجنة عليه حرام، وكذلك محلل الظلم والبغي لغيره ومزينه لغيره. فانظر ما الذي حملت عليه قلة  الغيرة وهذا يدلك على أن أصل الدين الغيرة ومن لا غيرة له لا دين له.

فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح فتدفع السوء والفواحش، وعدم  الغيرة تميت القلب فتموت الجوارح فلا يبقى عندها دفع البتة.
الجواب الكافي ج: 1 ص: 43ـ 45.