عدم قبول أي خبر حتى يتبين صدقه من كذبه وحقيقته من زيفه بعيداً عن أي أطماع ومكاسب مادية وإنما لمعرفة الحقيقة فقط.
لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيْرَا*" ([1]).
وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ*" ([2]).
وقد ورد في سبب نزول آية النساء عن ابن عباس قال: مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يسوق غنماً له فسلم عليهم فقالوا لا يسلم علينا إلا ليتعوذ منا فعمدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية([3]).
وقد أمر الله عباده بالتبين في أي أمر قبل اتخاذ أي إجراء تجاهه، والمراد بالتبين هنا هو التثبت، وقرأ حمزة والكسائي (فتثبتوا) في كلا الآيتين([4]).
والتبين آكد لأن الإنسان قد يتثبت ولا يتبين له الصواب من الخطأ([5])، والآية أمرت الصحابة بالتبين وعدم العجلة في اتخاذ أي إجراءٍ فيه أذىً لأحد بغية عرض بسيط من الدنيا([6]).
يقول ابن كثير في آية الحجرات: "يأمر الله تعالى بالتثبت في خبر مجهول الحال لاحتمال فسقه ويحتاط له لئلا يحكم بقوله فيكون كاذباً أو مخطئاً فيكون أخذُ الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه.
قال وذكر كثير من المفسرين في سبب نزول هذه الآية أنها نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدقات ليحضرها من الحارث بن ضرار الخزاعي فخافهم فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: منعوني الزكاة وأرادوا قتلي فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب لهم بعثاً ولم يلبثوا أن قدم الحارث ومعه زكاة قومه وقال: والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني، فنزلت آية الحجرات([7]).
فمن خلال أقوال المفسرين في هاتين الآيتين، ومن خلال أسباب نزولهما وكما في قراءة حمزة والكسائي، يتبين لنا أن على المؤسسة الإعلامية أو الصحفي المسؤول أن يتثبت في جمع رسالته الإعلامية من الصحيح والسقيم، ولا يعتمد على خبر مجهول الحال أو مجهول العين، ولا يدفعه لعدم التثبت طمع في مصلحة دنيوية أو جاه أو شهرة؛ فقد يؤدي عدم تثبته إلى عواقب وخيمة توقع الإمام والأمة في مأزق وموقف حرج، ومن باب أولى أن يبتعد عن ما يسمى بالفبركة الإعلامية أو الخبطة الصحفية المعتمدتين على محض الخيال في كثير من الأحيان.
([1]) سورة النساء، الآية 94.
([2]) سورة الحجرات، الآية 6.
([3]) صحيح البخاري، كتاب التفسير رقم 65، باب 17، مسند الإمام أحمد ج1 ص229- 272.
([4]) الحسن بن عبد الغفار الفارسي، الحجة للقراء السبعة، دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، 1419هـ.ج2 ص217.
([5]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج5 ص337.
([6]) المرجع السابق، ج5 ص339.
([7]) ابن كثير، تفسير القرآن، ج7 ص345- 346. علي بن أحمد الواحدي ، أسباب النزول، المكتبة المصرية، لبنان، ص217، ط1.ابن العربي، أحكام القرآن، ج4 ص108- 109.
التسميات
حرية إعلامية