الثقافة الالكترونية.. الكمبيوتر وملحقاته من أقراص مدمجة وكابلات وشبكة الانترنت للإبحار فى المعرفة العالمية

لا يغير الإنسان ثقافته، وإنما هو يكتنز ما يجعله قادرا على تنويع ثقافاته، ومعارفه بالقدر الذى يجعل منه كائنا متمايزا عن غيره من الكائنات بأنه قادر على الحفاظ على تميزه عبر حفاظه على كينونته الثقافية، من هنا يمكننا القول أن  الإنسان كائن مثقف.

وإذا كانت الثقافة بمفهومها التقليدى قد شغلت  الباحثين للتوصل إلى تعريف جامع مانع مما فتح المجال أمام الكثير منهم (الدارسين والباحثين والفلاسفة) لوضع الكثير من التعريفات للدرجة التى بات فيها مصطلح الثقافة مصطلحا متعارفا عليه ليس فى حاجة (عند البعض) للاجتهاد توصلا لتعريفه، وإنما أصبح واحدا من المصطلحات الجاهزة يغنى لفظها عن تعريفها.

منذ سنوات ليست بعيدة  ومع ظهور الكمبيوتر وتطبيقاته على نطاق واسع جاءت "الثقافة الإلكترونية" لتخترق المجال المعرفى الإنسانى دون تعقيدات التعريف معتمدة المصطلح السابق (الموصوف) واتبعتها بالصفة (الالكترونية) محيلة المتلقى إلى شكل جديد منحته خصوصية وتفردا أخرجته من مغبة العمومية، شكل تمثل فى الميديا الثقافية أو حوامل الثقافة الالكترونية وتبلور فى وسيطين شديدي الصلة بحيث لا يمكن لأحدهما العمل دون الآخر، وهما:
- الكمبيوتر، وملحقاته من أقراص مدمجة وكابلات.
- شبكة الانترنت.

وهما وسيطان لم يعودا نوعا من أنواع الترف ولم يعد التعامل معهما مقتصرا على فئة بعينها أو طبقة مميزة عن غيرها من طبقات المجتمع الحاضر، فلم يكتف الكمبيوتر بمنح الإنسان الفرصة للغوص فى تطبيقاته المتعددة وإنما فتح المجال لا نهائيا ليكون نافذة سحرية للإبحار في المعرفة العالمية أو فلنقل الكونية  التى تتعاظم قيمتها مع نمو مساحاتها وتعاظم مستخدمى الشبكة الذين تجاوزوا  230 مليون مستخدم.

ويتوقع وصول هذا العدد خلال عام واحد إلى 300 مليون وهو رقم لم يكن يتخيله أحد من مؤسسي الشبكة أو من روادها المتفائلين ولقد حطمت  إنترنت جميع الحدود الإحصائية فقد احتاجت خدمة الراديو إلى 38 سنة حتى أصبح لديها 50 مليون مشترك بينما احتاجت خدمة التلفزيون 13 سنة واحتاج الحاسوب الشخصي إلى 16 سنة في حين إن إنترنت احتاجت إلى 4 سنوات منذ بدايتها التجريبية حتى تخطت هذا الحاجز.

وفي عام 1996 كان عدد المشتركين 40 مليون مشترك تزايدوا في عام 1997 إلى اكثر من 100 مليون مشترك، وإلى أكثر من 230 مليون في النصف الثاني من عام 1999، وسيصل إلى 300 مليون عام 2000، والى مليار مشترك ما بين عامي 2003 و2005، ومع تعاظم عدد المستخدمين، يرتفع حجم تبادل المعلومات وفقاً لسلسلة هندسية، فهو يتضاعف كل مئة يوم، وهي نسبة مذهلة لها منعكسها الإيجابي على المستخدمين من حيث حجم المعلومات المتوفرة القابلة للنقل والتحميل، ولكن هذه الظاهرة ستؤدي في النهاية إلى تباطؤ الشبكة.

ونظراً لأهمية الانترنت بالنسبة للمؤسسات العلمية والاقتصادية في الولايات المتحدة، فقد درست هذه المؤسسات احتمالات تباطؤ الشبكة، وانطلقت ببناء مشروعين كبيرين هما (إنترنت 2: Internet II).

لقد فتحت الثقافة الجديدة مجالا لأسئلة جديدة توارت معها الكثير من الأفكار القديمة أو تلك التى يجب أن تكون قديمة ، فلم يعد المجال مناسبا للحديث عن الغزو الثقافى بمعناه الدارج ولم يعد أمام الحكومات إن أرادت السيطرة على شعوبها أو أرادت إغلاق المجال أمام ما تدعيه من غزو ثقافي، لم يعد أمامها إلا أن تقيم سقفا إسمنتيا يغطى  سماواتها !!!.

 لقد حركت المعطيات الجديدة المثقف المعاصر إلى طرح أسئلته الخاصة ، والجدلية حول ما يعده ذا قيمة وهو يرى طرحا جديدا يوسع من مفهوم الثقافة، ومن آلياتها وطرائقها، ومن ثم ظهرت على السطح مصطلحات من مثل: النشر الالكتروني، وثورة المعلومات، والنص التفاعلي، والهيبرتكست، الفضاء الافتراضي، وغيرها، وانطلقت الأقلام تعزف ألحانها المتناغمة حينا، والمتنافرة أحيانا، والتمس كثير من المثقفين طريقا هادئا لإثارة أسئلة ما كان لها أن تظهر قبل طرح هذه المعطيات.

تعددت الأسئلة وتكرر إثارتها فلم يكتف البعض بما أثير سابقا أو بما أثاره الآخرون، وإنما باتت الأسئلة متجددة تثار كل حين: "هل نستطيع القول بان الانترنت قد فتح مجالا واسعا للمواهب -على أنواعها- بمختلف انتماءاتها الطبقية والعرقية والاجتماعية لتعبر عن نفسها بهذا الشكل الصارخ؟ قاذفة عبر هذه النافذة الساحرة بكل ما تحتفظ به -وتتحفظ عليه- من مخزونها العاطفي ووعيها الاجتماعي ورقيها الروحي ولما لا شذوذها وعقدها وأمراضها  النفسية دون أي تفكير في العواقب!؟.

هل هو مجرد لعبة جديدة وحديثة ووسيلة للتسلية وتعبئة لأوقات الفراغ تعوض -لبعض الميسورين من الناس في عالمنا العربي- على النقص الحاصل في الروابط الاجتماعية وتفكك الأسرة وفقدان الثقة والمحبة مع الغير نتيجة الثقافة الجديدة التي تغزو مجتمعاتنا؟. 
أم هو حاجة ماسة وضرورية لدى البعض لاختصار الزمن وطوي المسافات في البحث عن المعرفة بكل أشكالها (حتى الإباحية منها) ليشفي غليله من الحرمان الذي لحق به خلال سنين مضت كان مشغولا فيها بتحقيق نجاحه في عمله واعتناءه بعائلته!.

 أم إنه لم يكن -عند البعض الآخر- أكثر من فرصة جديدة تعوض لهم فرصهم الضائعة في تحقيق أحلامهم وأمانيهم للتعبير عن مواهبهم الدفينة المؤجلة في خضم معمعة الحياة التي أبعدتهم عنها لضروريات مهنية أو اجتماعية قاهرة!؟.

ولم يعد أمام إنسان اليوم سوى أن يفكر كيف يحقق لحياته القدرالأقصى من النجاح عبر الإفادة من الثقافة الالكترونية، أو الثقافة فى ثوبها الالكترونى والتى لا تنفصل ولا تتعارض مع الثقافة التقليدية، فهى نتاج عصرها ولم تكن الثقافة بمعناها التقليدى تقبل الاقتصار أو البقاء  فى ظل الوسائط القديمة، حيث تدخلت عوامل عدة لتجعل من الثقافة أكثر قدرة على العبور فى المكان واختراق الزمن واحترام عقلية العصر والحفاظ على المقولات القديمة متجاورة مع مقولاتها الجديدة.

إننا هنا نتوقف عند كل ما هو مرتبط بعصر الوسائط ، بالثقافة فى ثوبها الجديد، وبالمعرفة فى شكلها غير التقليدى ، وبالصورة بوصفها وسيلة لتقديم منجزها عبر الوسيط الالكترونى المتميز والإلزامى فى آن.

نحن هنا إزاء نقطتين يبدوان ظاهريا خيارين ولكنهما فى الحقيقة نقطتان متراتبتان، تتدخل عوامل عدة لتجعل إحداهما سابقة للثانية، حتى يتم التوازى بينهما ويصبحان ضرورتين لا غنى للبشرية عنهما مجتمعتين: الثقافة الجديدة فى علاقتها شبه الإلزامية بالثقافة القديمة أو التقليدية، والثقافة الجديدة فى قدرتها على طرح نفسها بشكل جديد ومتميز.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال