كان التخطيط المركزي هو العمود الثاني في كاتدرائية النظرية الاشتراكية. وبدلاً من أن يدع الفوضى تجتاج السوق، وتفسد الاقتصاد، يأتي التخطيط الذكي، من فوق إلى تحت، ليركز الموارد على قطاعات أساسية، ويزيد في النمو التكنولوجي.
وعلى كل حال، فإن هذا التخطيط كان يتعلق بالمعرفة. ومنذ العشرينات من القرن العشرين كان الاقتصادي النمسوي، Luolwig von mises.يصف النقطة الضعيفة في هذا التخطيط. "بكونها، كعب أخيل(1)، الاشتراكي.
ترى كم يجب على مصنع في أيركوتسك IRWKOUTSK أن ينتج من الأحذية؟
ومن أي نوع من مقاييس الأرجل؟ وكم من برغي سيُلولبُ إلى اليسار، ومن أي نوع من الورق؟
وأي نوع من النسب نضعها بين المحرق carlIuRa-teur والخيال، وكم روبل، أو زلوطي أوينّ يجب أن توظف في كلّ من العشرة آلاف من القطاعات الإنتاجية؟.
إن أجيالاً من المخططين الاشتراكيين السليمي الوجدان، كانوا يتمزقون أمام مثل هذه الصعوبة. إنهم كانوا دوماً، يتطلبون المزيد من المعطيات، ويحصلون على مزيد من الأكاذيب. كانوا يعززون البيروقراطية.
ولما لم يكونوا قادرين على الاعتماد على مؤشرات العرض والطلب الناشئة عن سوق تغمره المزاحمة.
فقد حاولوا أن يقيسوا الاقتصاد بمصطلح الساعات، أو بالنظر إلى الأشياء تبعاً لما هي فيه، أكثر مما كانت تمثله بمصطلخات القيمة. ثم إنهم حاولوا، فيما بعد أن يقيسوه بالنموذج الإيكونومتري والتحليل(الدخولات، والخروجات).
وما من شيء كان ينتظم أو ينجح. وكلما ازداد عليهم الإعلام، كان الاقتصاد يصبح أكثر تعقيداً وفوضى.
وبعد أن مضى على الثورة الروسية 65 سنة، كان شعار الاتحاد الروسي الأذناب الطويلة الواقفة أمام المخازن، وليس المطرقة والمنجل.
واليوم، في العالم الاشتراكي كله، أو الاشتراكي سابقاً، يتزاحم الناس، بغية إدخال اقتصاد السوق - إما كلياً كبولونياً؛ أو ببعض الخجل داخل النظام المخطط، كما هي الحال في الاتحاد السوفييتي.
وعندئذ نجد المجدّدين الاشتراكيين يجمعون على الاعتراف بأن قضية ترك العرض والطلب، يتحكم في الأسعار- في بعض المجالات على الأقل- يقدم لهم مالم يكن التخطيط المركزي يؤمنه لهم،- أي علاقات تشير إلى ما يتطلبه الاقتصاد وما هو بحاجة إليه.
بيد أن الاقتصاديين، عندما يتناقشون حول فهم هذه العلامات signaux، يهملون النظر إلى التغيير الأساسي الذي يقتضيه هذا المبدأ، وإلى الانتقالات الهائلة في السلطة، التي تنشأ عنه.
وعلى هذا كان الفرق الأساسي بين اقتصاد مخطط مركزياً، وبين اقتصاد يساعده السوق، إنما يقوم على واقع أن الإعلام يمضي عمودياً، في الاقتصاد المركزي، على حين أن الكثير من الإعلام، في الاقتصاد الثاني (الحر) يمضي إما أفقياً وإما قطرياً، داخل النظام، فالمشترون والباعة يتبادلون المعلومات على كل المستويات، وفي كل الاتجاهات.
ولا يهدّد هذا التغير، جملة كبار الموظفين في مجال التخطيط، أو القادة أنفسهم، بل يهدد ملايين من صغار البيروقراطيين، يقوم مصدر سلطتهم على مراقبة الإعلام المقدم على طول الطريق الرسمية.
إن الطرائق الجديدة في خلق الثروة، تتطلب، الكثير الكثير من المعرفة، والكثير الكثير من الإعلام، ووسائل الاتصال، مما لايمكن أن تحظى به الاقتصادات المخططة.
وهكذا فإن انطلاق الاقتصاد العالي الرمزية، قد مزق القاعدة الثانية للأرثوذكسية الاشتراكية...
(1) كعب أخيل أو آشيل- وهذا بطل يوناني خرافي إلى حد كبير، وكان معروفاً أنه لا يموت إلا بإصابة.
التسميات
موجة ثالثة