يتعلق الأول، بالخشية، من أنه لن يصبح ممكناً تلبية حاجات السكان في وضع التزايد. ولا يتعلق الأمر، بمعرفة هل سيكون هناك ما يمكن من إنتاج غذائي كاف للسكان في هذا العالم، ببساطة، بل أيضاً معرفة، ما إذا كانت النماذج الاستهلاكية الحالية يمكن أن تنفذ بالوتيرة نفسها، مع الزيادة في عدد السكان.
لقد تجاوز الإنتاج الزراعي الكلي في العالم، العلامة (100)، إلى العلامة (220)، خلال الفترة (1960 ـ 1990)، في حين تجاوز عدد السكان في هذا العالم، العلامة من (100 إلى 170) فقط، خلال الفترة نفسها.
لكن، أخيراً يجب ضمان العمل على زيادة الإنتاج الزراعي لتغذية السكان في العالم، من الآن، وحتى عام (2030)، زيادة تصل إلى (40%) من أجل أن يكون المعدل الحالي من المصادر الغذائية، محافظاً عليه بالنسبة للفرد.
ويؤدي التصنيع إلى تعديل في العادات الغذائية " لحوم ومنتجات الحليب على حساب الحبوب"، هي المطلوبة الأكثر، فعلى مساحة هكتار لتربية الماشية بشكل فسيح، ينتج عنها (100) كغ من اللحم كل عام، في حين أن الهكتار نفسه، لإنتاج الأرز، بصورة مروية، ينتج عشرة أطنان.
لكن، حدثت "الثورة الخضراء"، والتي سمحت بهذه الزيادة في الإنتاج الزراعي الشامل، بفضل الزراعة المكثفة، باستهلاك كميات كبيرة من الماء والأسمدة.
إن تلبية الحاجات الغذائية، إذن ممكنة، لكنها تحدث بدورها تهديداً آخر، تهديداً بيئياً. وهو الأخطر. وتمثل الزراعة اليوم (70%) من اقتطاعات الماء في العالم، مقابل (20%) للصناعة و (10%) لاستهلاك الماء الصالح للشرب.
مع ذلك، فاليوم، إذا كانت المجاعات لا تزال مستمرة، فهذا ليس لأنه ليس بالإمكان تغذية سكان الكرة الأرضية، بل لأن ذلك، لا يراد القيام به. فلم تعد هناك مجاعات "طبيعية". أما تلك الموجودة فإنها تحدث نتيجة النزاعات أو عن طريق رهن السكان المدنيين من قبل الحكومات أو الفئات المتصارعة (3).
أما التحدي الثاني. فهو ذلك، الناتج عن التفاوت، أو عدم المساواة الاقتصادية. فسكان البلدان المتطورة، هم أكثر تمتعاً بالرفاه، في حين يزداد الفقر والفاقة في بلدان العالم الثالث.
كانت بلدان الجنوب تستورد (15) مليون طن من المنتجات الغذائية في عام (1960)، كل عام، ثم تجاوز هذا الرقم الـ(25) مليون طن عام (1970)، ثم (70) مليون طن عام (1980) ثم قفز الرقم إلى (100) مليون طن، عام (1990)، ثم (120) مليون طن، عام (1995)، وهكذا، بتزايد مستمر.
وأمكن أن يؤدي هذا الاختلاف في القوة الديموغرافية والاختلاف في مستوى المعيشة، في حقبة العولمة، وفي الوقت الذي أصبحت فيه التنقلات سهلة، أمكن كل ذلك أن يؤدي إلى تدفقات في هجرات هامة معاكسة لتلك الهجرات التي لوحظت في القرن التاسع عشر.
فاليوم، لم تعد الهجرة تجري من البلدان المتطورة، نحو البلدان المتخلفة، بل بالاتجاه المعاكس. وإنه ليس من الأكيد بأن السدس الأغنى على سطح الكرة الأرضية، يستطيع أن يستقبل خمسة أسداس الثروة العالمية بطريقة مستمرة وغير متجانسة.
وهكذا فإن سكان بلدان العالم الثالث بازدياد. في حين يبقى سكان البلدان المتطورة مستقراً.
واليوم، فإن سكان البلدان المتطورة يحافظون على مستوى معيشة ثابت نسبياً، وهناك حوالي مليار نسمة من هؤلاء، مقابل حوالي خمسة مليارات، يعيشون في بلدان العالم الثالث.
وسيشيخ معظم أفراد هذا المليار، من الأغنياء، خلال أربعين عاماً، إذ سيتقدمون في السن، وهنا يمكن أن يصبحوا في أوضاع مجابهة مع أكثر من (7) مليارات من الفقراء، وهنا سيصبح المكان الذي يحتلونه أصغر مما هو عليه اليوم.
ففي عام (2025) سيصبح ستة أشخاص من أصل عشرة آسيويين، " خصوصاً من الصينيين والهنود" مقابل أفريقي واحد ينتمي إلى المغرب العربي أو الشرق الأوسط، وسيكون واحد من أمريكا اللاتينية، وواحد من أوربا.
وإذا استمر الاختلاف في الثروات، فستصبح التيّارات اليوم معكوسة. لأنه، وكما كتب عالم التاريخ بول كندي (PAUL KENNEDY) في كتابه، استعدوا للقرن الحادي والعشرين (4):
"وإذا استمر العالم الثالث واقعاً في شرك الفقر، فإن البلدان الأكثر تطوراً ستجد نفسها مطوقة بعشرات الملايين من المهاجرين ومن اللاجئين الراغبين في الإقامة إلى جانب السكان المترفين.
لكن من المتقدمين في السن، من بلدان الديموقراطيات، وعلى أي حال فإن النتائج ستصبح ، حسبما هو محتمل، مؤلمة، بالنسبة للجزء السادس الأغنى، على سطح الكرة الأرضية، الذي يستمتع اليوم، بطريقة غير متجانسة، مع الخمسة أسداس الباقية، في ثروتها، فالتيارات اليوم معكوسة".
التفاوتات الاقتصادية ليست متزايدة وحسب، بل أكثر من ذلك أيضاً، فهي معروفة، من هذا الجانب وذاك، من طرفي الكرة الأرضية.
كما أصبح للعولمة تأثير مضاعف، في إيجاد الهوة وتعميقها بين الأغنياء والفقراء، كل ذلك بالسماح لهؤلاء أن يصبحوا مجبرين على البقاء في حالة مستقرة، لكن ليس من المؤكد أنهم سيقبلون بهذا الوضع زمناً طويلاً.
ولقد استطاع عالم الجيوسياسية في بيغنيوبرززنسكي، أن يكتب في هذا الموضوع :" في حلبة التاريخ، يمكن مشاهدة تعارض أو حتّى تصادم بين مستهلك نهم أو شره ومشاهد جائع" (5).
وسيصبح عدد سكان الولايات المتحدة، أدنى من عدد سكان نيجيريا، في عام (2025)، وسيساوي عدد سكان العراق، سكان اليابان، في ذلك العام. وهذا طبقاً لتقديرات منظمة الأمم المتحدة، كما سيصبح عدد سكان أثيوبيا، ضعف عدد سكان فرنسا .
باختصار، ستصبح البلدان الغنية، بلداناً صغيرة من الناحية الديموغرافية، فسيكون في كندا، العضو في نادي البلدان الأكثر تصنيعاً، سيكون فيها، عدد من السكان يعادل عدد سكان نيبال أو مدغشقر.
وهنا ستطرح مشكلة الهجرة المحتملة من الشمال والجنوب.
أثناء ذلك، سيصبح عدد سكان الشمال، أقل فأقل، مع جنوب مفرط في عدد السكان، وستضطرها الهجرات الاقتصادية إلى القيام بهجرات سياسية. وإذا توجب أن تصبح هذه الهجرات كثيفة، فعندها يمكن طرح مشكلات القبول الاجتماعي لهؤلاء المهاجرين.
يعتقد ليستر تورو (LESTER THUROW) (6) أن صراع الطبقات الجديد لن يكون فيه الأغنياء ضد الفقراء بل سيكون صراع شباب ضد الشيوخ " الذين سيصوتون"، وربما يتفق مع الشباب " الذين لا يصوتون".
ويشير إلى أنه في الولايات المتحدة، سيصوت المسنون بصورة منهجية ضد الضرائب المحلية، المخصصة للتربية، حيث يستقر في مدن الغيتو (GATED CITES) (أي مدن الخروج)، حيث لن يسمح للشباب السكن فيها، عندها لن يكون هناك تكاليف مدرسية، ويطرح موضوع شيخوخة السكان، من جهة أخرى، المشكلة الشاملة لتمويل التقاعد.
فعندما حدّد بسمارك سن التقاعد ،" والحق بالمعاش التقاعدي" بسن الـ (65) عاماً، وذلك عام (1891)، كان متوسط العمر في ألمانيا آنذاك، يصل إلى (45) عاماً فقط، ولهذا كان سخاء بسمارك محسوباً تماماً.
فإذا وجب تطبيق هذا المخطط على أيامنا اليوم، بالنسبة لمعاش التقاعد، فعندها يجب تحديد سن التقاعد بـ(95) عاماً، بحيث يوجد (4,5) عامل لتمويل معاش متقاعد واحد. لن يكون هناك في عام (2030) سوى (1,7) عامل فقط.
فإذا كانت المشكلة الديموغرافية، المتعلقة بشيخوخة السكان هي في الشمال ـ قبل كل شيء، فإن تلك الخاصة بالشباب، هي التي ستطرح في الجنوب: وفي الحالتين.
فالمشكلة تتعلق بعدد المكدين القادرين على تحمل أولئك الذين هم من غير المكدين، سواء لكونهم من صغار السن جداً، أم لكونهم من المسنين جداً.
يمثل عدد الأطفال، من عمر يقل عن الـ(15) عاماً، في بلدان العالم الثالث (40%) من عدد السكان، لذلك خلقت هذه النسبة الهامة عبئاً ثقيلاً بالنسبة لمجموع شعب ما من تلك البلدان، وتجبرهم على تحكم مؤلم بين استهلاك فوري، واستثمار في المستقبل.
وتطرح عندئذ، مشكلة الاستخدام، على الفور، من أجل تقديمه لجميع طبقات العمر الداخلين لسوق العمل. فهل سيعرف العالم تحولاً ديموغرافياً، على المستوى الشامل؟
في الأصل، كان السكان، مستقرين، من واقع الانسجام أو التوافق بين نسبة الولادات، ونسبة الوفيات المرتفعة. لكن تزايد السكان الآن، لأن الثانية قد نقصت "تصنيع ـ تقدم طبي ...إلخ" في حين بقيت الأولى على حالها.
وعلى الأثر، عرفت البلدان الغنية انخفاضاً في الولادات، عندما ازدادت نسب الثروة والتعليم، وتحسن وضع المرأة في المجتمع، والتنمية الفردية جميعها.
وبإمكان بلدان الجنوب، ضمن مدة، متابعة ا لمثل نفسه تماماً، فكان الرقم المرتفع في عدد الأطفال في الماضي، ضمانة " بشكل كاف للحصول على سواعد من أجل فلاحة الأرض". واليوم،فقط أصبح هذا الأمر عبئاً ثقيلاً " تكاليف التعليم" مثلاً.
ويجر الفقر إلى الشك حول عدد الأطفال الذين سيخطفهم المرض أو الجوع أو الحروب. فهذان الطرازان "العدد المرتفع في الولادات، والموت، أو النسب الضعيفة في الولادات وطول العمر" هي أمور مستقرة. وإن التحول بين الاثنين يؤدي إلى عدم التوازن.
التسميات
موجة ثالثة