"ابتدائي" ضد "العالي".. العمل العقلي يظل من حصّة بعض القادة مع تبسيط العمل عند نقص الكفاءة

لا مجال لتغيّرات من هذا المستوى أو الضخامة، أن تتمّ من غير أن تؤدي إلى جملة صراعات على السلطة أو على محاولة التنبؤ: من سيربح فيها ومن سيخسر.

وقد يكون من المفيد أن ننظر إلى المعامل (أو الشركات مثلاً)، هي أيضاً، من زاوية مكانها في طيف العمل العقلي..

ويجب علينا عندئذٍ ألا نصنفها في إطار"الصناعة" أو إطار"الخدمات" بل أن نُصنِّفها تبعاً لنوع العمل الذي يؤديه العاملون فيها، فعلياً.

فشركة الـ CSX، مثلاً، تملك شبكات سكك حديدية في نصف الولايات المتحدة: وهي، في الوقت نفسه، واحدةٌ من أوائل الشركات العالمية للنقل البحري، ضمن الحاويات، ولكنها تعتبر نفسها أكثر فأكثر، كما لو أن الإعلام هو مهمتُها الأولى.

ويرى Alex Mandl، أحد مديريها، أنّ الإعلام أحدُ العناصر الأعظم أهمية لخدمات شركته الناقلة.
إنه لا يكفي أن نُسلِّم المنتجات. إذ أن الزبائن يريدون أن يكونوا مطلعين على مراحل تسليمها: فمتى تكون إرسالياتهم جاهزة، لكي يتم نقلها ثم ليتم استردادها؟
وأين هي في هذه اللحظة أو تلك؟
وكم ستكون الكلفة، وأي مشكلة يمكن أن توجد مع الجمارك، وأسئلة كثيرة أخرى. أما في شركاتنا، فإن الإعلام هو الذي يقوم بالدور الحركي(أو المحرك).

وبتعبير آخر، فإن نسبة المستخدمين في شركة CSX، الذين يقعون في المراتب المتوسطة أو العليا، للطيف، لا يفتأ بتزايد.

وهكذا نجد أننا مقودون إلى التفكير، أن الشركات يمكن، بالجملة، أن تَوزَّع بين"ابتدائية" و"وسطى"، و "عالية.
وكما هي الحال في طيف العمل العقلي، فإنها تحتل في هذا الطيف، موقعاً يقابل حجم العمليات العقلية التي تقوم بها، كما يقابل التعقيد الموجود فيها.

أما من الناحية(الابتدائية) فإن العمل العقلي يظل من حصّة بعض القادة، وملكاً لهم، فلا يترك لباقي المستخدمين إلا جهد عضلي، أو غير عقلي، على كل حال: ذلك أن هؤلاء العمال يكونون جهلة، أو أن ما يمكن أن يعرفوه، لا جدوى له في الإنتاج.

وحتى في القطاع"العالي"، فإنه يمكن أن نلاحظ أمثلة كثيرة على"نقص الكفاءة"، أي تبسيط العمل، الذي يُرَدُّ إلى أدنى عناصره(أو مركباته) و مراقبته خطوة فخطوة.

ومن حسن الحظ أن محاولات تطبيق هذه الطرائق التي أتمها أو قام بها فريدريك تايلور. F.  TAYLOR، لاستخدامها في الإنتاج الصناعي، لبداية القرن العشرين، لم تعد الآن، إلا مجرد ظاهرة متخلفه من الماضي "الابتدائي" وليس تصوراً مسبقاً للمستقبل"الأعلى". ذلك أن كلّ مهمة بسيطة، يمكن تكرارها، دونما تفكير، ستدخل عما قريب في نظام"الروبتةRebotisation.

وبالمعنى المعاكس، نقول إنه كلما اتجه الاقتصاد إلى إنتاج، جدير بالموجة الثالثة: اضطرت المصانع إلى إعادة النظر في دور المعرفة. أما في القطاع (العالي)، فإن الأكثر تقدماً من المصانع والشركات هي التي تقوم بها، بأكبر سرعة.

وهي في الوقت نفسه، تُعيد تعريف العمل نفسه، وهذه تبدأ أو تعتمد على المبدأ القاتل: متى ردَدْنا العمل الجسدي إلى أدنى حدوده، وسلّمناه لآليات عالية التقنية، وتركنا العامل يعبر كل التعبير عن كفاياته الخاصة، رأينا أن الإنتاجية تعلو بوضوح، وتعلو معها الأرباح.

إنها (أي المصانع العائدة للموجة الثالثة) تضع لنفسها هدفاً هو أن تستخدم عمالاً أو موظفين أقلّ عدداً،ولكنهم أكثر كفاءة، وأعلى راتباً.

وحتى النشاطات، التي هي من النموذج المتوسط، والتي تستمر في استخدام اليد العاملة العادية، سنجدها تعتمد أكثر فأكثر، على"المعرفة" وترقى على سلم الطيف، طيف العمل العقلي.

وليست الشركات"العليا" عادة، من المؤسسات الخيرية، على الرغم من أن العمل يمضي لديها إلى أن يكون أقلّ إرهاقاً جسدياً، مما هي حاله في الإنتاج"البدائي"، ويكون محيطه أكثر إسعاداً، بل إنها تتطلّب من العاملين لديها، درجة عمل أرقى.

ذلك أن المستخدمين يكونون محفوزين لاستخدام طاقاتهم العقلية، وكذلك إلى أن يوظفوا في عملهم، عواطفهم، وملكاتهم الحدسية، وخيالهم.

ولهذا كان أنصار MARCUSE يدينون هذه الممارسات كصورة استغلال للمستخدمين، أسوأ أيضاً من سابقاتها.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال