شروط المشاركة الفاعلة في التنمية الخليجية.. معرفة الحاجات العملية والإستراتيجية والوسائل الملائمة لاختيار إستراتيجياتها وتحقيقها



شهدت دول مجلس التعاون خلال العقد الأخير تطوراً واسعاً في قدراتها البشرية بسبب تراكم سياسات الرفاه الاجتماعي وأساليب التخطيط التي اتبعتها دول المنطقة خلال ثلاثة العقود الأخيرة من القرن العشرين المنصرم.

مما وفر لها غنى في رأسمالها البشري، إضافة إلى ما تتمتع به من غنى الموارد الطبيعية التي تمكنها من تطبيق سياسة تنموية مستدامة، تحقق من خلالها نهوضاً كبيراً على مستوى الإنجاز الإنساني في تلبية حاجات الأفراد في تلك المجتمعات الخليجية.

ويعتبر التفكير الإستراتيجي عاملاً أساسياً من عوامل التنمية المستدامة، وهو ما يستدعي أن تقوم المنظمات الأهلية بتحليل متصل للبيئة المحيطة التي تعمل فيها، والتي تتطلب معرفة دقيقة بحاجاتها العملية والإستراتيجية، ومعرفة الوسائل الملائمة التي تمكنها من اختيار إستراتيجياتها والأولويات المطلوب تحقيقها قبل غيرها، والتقييم الذاتي الدائم لكافة مراحل ما تم إنجازه([1]).

ومن الملاحظ أن مدخل التنمية البشرية يختلف عن غيره من مداخل التنمية أو النمو الأخرى.

فمدخل الدخل Income approach ينظر للنمو الاقتصادي على أنه زيادة في متوسط الدخل الحقيقي "ومن الواضح أن هذا المدخل يهمل كيفية توزيع هذه الزيادة في الدخل بين طبقات المجتمع، كما لا يتعرض للتحسن في نوعية الحياة البشرية"([2]).

أما مدخل تنمية الموارد البشرية Human Resource Development، فينظر إلى الإنسان كعنصر من عناصر الإنتاج مثله في ذلك مثل رأس المال المادي والأرض، وهو يقيم الاستثمار في رأس المال البشري ممثلاً في الصحة والتعليم والتغذية والتدريب، بدلالة الدخل الإضافي الذي يولده هذا الاستثمار "ومن ثم يحكم على جدواه من خلال مقارنة معدل عائد الاستثمار البشري مع معدل تكلفة رأس المال"([3]).

وعلى الرغم من قيام دول مجلس التعاون الخليجي بإنجاز برامج رعاية متطورة، وتوفير نطاق واسع من برامج الحماية الاجتماعية التي فاقت في بعض مناحيها برامج الرفاه الاجتماعي، وقصرت في بعضها عن هذه البرامج، إلا أن مجتمعات مجلس التعاون لا تزال تعاني من إلحاح مظاهر الفقر بين المواطنين، ومؤشرات دليل الفقر البشري تشير بوضوح إلى أن هناك الكثير الذي يجب أن ينجز لتحرير المجتمعات الخليجية من العوز.

فما يزال هناك نسب مقدرة من أفراد المجتمع لا يتوقع لهم أن يعيشوا حتى سن الأربعين.

إن فلسفة التنمية التي تنتهجها الدول النفطية في الخليج هي امتداد لوضع عام لم تستطع أن تحقق فيه هذه الدول تحولات جذرية على بعض الأصعدة، فالهيمنة والاحتكار بالسلطة أضعف المجتمع في ظل التراجعات التي يشهدها العالم في قوة الدولة.

وتكمن الخطورة في الحالة الخليجية في أن الأجيال الشابة والصاعدة لا تحمل في داخلها إلا نماذج سلوكية استهلاكية يأتي في مقدمتها قدرة المال على حل كل العقبات، وسهولة الحصول عليه، والنظرة الاستعلامية للغير، والاختلال في العلاقة ما بين العمل والجهد والمال، وحصول الفرد على مكاسب اجتماعية واقتصادية من خلال الاستفادة من الخدمات التي تقدمها له الدولة.
الأمر الذي يصعب على الفرد التراجع أو التنازل عنه.

([1]) نحو دور تنموي للمنظمات الأهلية في دول مجلس التعاون الخليجي، إبراهيم جعفر السوري، بحث منشور ضمن كتاب: المجتمع وأدواره المنتظرة، سلسلة الدراسات الاجتماعية والعمالية (43) المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ط/1/2006م، ص 261
([2]) اتجاهات حديثة في التنمية، للدكتور / عبد القادر محمد عبدالقادر، الدار الجامعية – للطبع والنشر والتوزيع، الإسكندرية، 2000م، ص 50
([3]) Anands. & Ravallion, M., "Human Development in poor Countries: on the Role of private Incomes and public services ", Journal of Economic perspectives , winter 1993, vol 7 , No. 1, p. 135


ليست هناك تعليقات