الاتجاهات النقدية والأدب المقارن.. التفاعل مع المناهج والاتجاهات الحديثة كالبنيوية والسيميائية والتفكيكية ونظرية التناصّ

هل اقتصر تفاعل الأدب المقارن مع الاتجاهات والمناهج النقدية على ماتطرقنا إليه من اتجاهات ومناهج؟

ألم يتفاعل مع المناهج والاتجاهات الحديثة والمعاصرة الأخرى، كالبنيوية والسيميائية والتفكيكية ونظرية التناصّ..؟

لاشك في أن ساحة الأدب المقارن كانت مفتوحة على الاتجاهات النقدية كلها، وأنها تفاعلت معها بصورة مستمرة، ولكن ليس بالدرجة نفسها، وليس بدرجات تؤدي إلى انعطافات حادة وإلى نشوء مدارس جديدة في الأدب المقارن.

فنظرية التناصّ (Intertextualitaet) على سبيل المثال يمكن أن تكون مفيدة بالنسبة للدراسات المقارنة، وذلك لأنّ علاقات التناصّ لا تنشأ بين أعمال أدبية تنتمي إلى أدب قومي واحد، بل تتخطى ذلك إلى آداب وثقافات متعددة.

ولذا من الممكن إجراء دراسات مقارنة انطلاقاً من نظرية التناص حول ظواهر التناص التي تنتمي إلى آداب مختلفة، وأن تشكل تلك الدراسات ميداناً جديداً من ميادين الأدب المقارن.

والشيء نفسه يمكن أن يقال عن علاقة الأدب المقارن بالسيميائية (Semiotik)، إذ ليس هناك من الناحية النظرية ما يمنع من القيام بدراسات أدبية مقارنة انطلاقاً من هذا المنهج.

وهذا ينطبق أيضاً على الاتجاهات والمناهج النقدية المعاصرة الأخرى.
أما تطبيقياً فإنّ ذلك ينطوي على تحدّ كبير للمقارنين.
إلاّ أنه تحدّ حيوي ومنتج، يتوقف عليه مستقبل الأدب المقارن.

فهذا العلم مطالب باستيعاب المناهج والاتجاهات النقدية الجديدة ومعرفة تبعاتها وانعكاساتها على حقله المعرفي، وما إذا كان باستطاعته أن يستفيد منها نظرياً وتطبيقياً.

أما الخطر الذي يمكن أن يحدق بالأدب المقارن، فهو يكمن في احتمال أن ينغلق هذا العلم على نفسه، وأن يتجاهل ما يستجدّ في الساحة النقدية من تطورات.

عندئذ يحرم الأدب المقارن نفسه من فرص التجدد والتطور، وتعتري الدراسات المقارنة حالة من الجمود.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال