آفاق المصطلح السردي في التعريب والترجمة.. بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي ومكونات الخطاب السردي من السرد إلى الشخصية الحكائية والفضاء الحكائي



آفاق المصطلح السردي في التعريب والترجمة:

تطور المصطلح السردي كثيراً بفضل التعريب المتناغم مع حال النقد الأدبي العربي الحديث، وتبدى ذلك في جهود عديدة، أذكر منها جهد حميد لحمداني (المغرب) في كتابه «بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي» الذي قارب فيه المصطلح السردي من اللغة العربية وموروثها ومأثورها نظرياً وتطبيقياً لدى تحديد الحوافز والوظائف والعوامل ومنطق الحكي ومكونات الخطاب السردي من السرد إلى الشخصية الحكائية والفضاء الحكائي والزمن الحكائي والوصف في الحكي، وهي مصطلحات رئيسة متنامية في السرد العربي، وأردف جهده بمحاولة وضع مصطلحات السرد بالعربية والفرنسية، وغالبيتها تندغم في التعريب، انتقالاً من الترجمة الحرفية.

تأصيل المصطلح السردي:

وبذل سعيد يقطين (المغرب) جهداً مضاعفاً واجتهاداً فائقاً في تأصيل المصطلح السردي ضمن سيرورته الحداثية في كتابه «الكلام والخبر، مقدمة للسرد العربي»، ورأى المنطلق في تركيبية السرد والسرديات العربية، اصطلاحياً، من خلال الانفتاح على السرد حيثما وجد لفظياً أو غير لفظي، وعلى الاختصاصات التي سبقتها إلى الاهتمام بالمادة الحكائية الأساسية، وإن توسع مدار اختصاصها لانتقال البحث في الخطاب إلى النص السردي بأنماطه المختلفة وتفاعلاته المتعددة من خلال التفريق بين سرديات القصة وسرديات الخطاب والسرديات النصية على أن النص السردي بنية مجردة أو متحقق من خلال جنس أو نوع محدد، عند الاهتمام به من جهة نصيته التي تحدد وحدته وتماسكه وانسجامه في علاقته بالمتلقي في الزمان والمكان.

معجم السرديات:

وصاغ مرسل فالح العجمي (الكويت) باقتدار المصطلح السردي إدغاماً للتعريب في سيرورة المصطلح النقدي عند تحليل السرد والنص السردي والسرديات ومكونات النص السردي كالأحداث والشخصيات والعلاقات الزمنية والمؤلف الضمني والصوت السردي والمخاطب السردي، واعتمد في صياغته العربية على كتاب جيرالد برنس «معجم السرديات» أو «المصطلح السردي» المشار إليه، إثر وصفه لهذا الكتاب بالتميز، إحاطة بمعظم تعريفات المصطلحات السردية عند معظم الباحثين، وتوثيقاً يشير إلى مصادر تلك التعريفات الأولية ومراجعها، وتثميراً لمعطى التعريب الذي يقلل من عوائق تشكل المصطلح أو حدوده.

تحديد السيميائيات السردية:

ويصبح التعريب أكثر فائدة حين الالتزام بمنهجية علمية محددة وواضحة لا تنفصم عن اللغة وخصوصياتها البلاغية والنقدية والمعرفية والثقافية، وهذا جلي في محاولة سعيد بنكراد (المغرب) لوضع مدخل نظري للسيميائيات السردية، انطلاقاً من الإرث الشكلي الروسي، والبنيوية، إلى العلامية التي قامت على تعالقات التنظيم العميق والسطحي في تحديد السيميائيات السردية استناداً إلى شغل المنظرين الفرنسيين أمثال جريماس وجوزيف كورتيس أيضاً.

الدلالة الخطابية:

وآل هذا الجهد إلى الكشف عن المسار السردي من مجرد السردية إلى الدلالة الخطابية ومستوياتها الدلالية والتداولية، فالتركيب الخطابي ومستوى الفضاء الخطابي لإضاءة الفضاء الاستهلالي وفضاء الفعل الإنجازي بقسميه الاستعداد والنصر (التي تحتمل تعريباً آخر كالإنجاز أو تحقق الفعل)، بالإضافة إلى فاعلية الفضاء المفتوح إزاء الفضاء المغلق، «فالانفتاح ليس معطى بشكل سابق على تحيين الفضاء داخل النص، وكذلك الأمر مع الانغلاق، فتنظيم العناصر السردية وطريقة تحيين القصة داخل شكل سردي ما، هو الذي يحدد طبيعة هذا الفضاء أو ذاك.

تداخل السرد مع الخطاب:

وتفيد جدوى التعريب منهجياً وعلمياً كلما عمقنا الرؤى المصطلحية في اللغة والنقد والثقافة، إذ يتداخل السرد مع الخطاب بأبعاده المختلفة، حسب سومرز وجيبسون، الانطولوجية Ontological والعامة public والمفاهيمية Conceptual والشارحة أو ما وراء السرد meta narratives).
وهذا التداخل شديد الحضور في مفهوم السرد العربي وموروثه العريق لدى النظر في سرديات الأسطرة والتراث الشعبي والتراث الديني الإسلامي مثل المغازي والشريعة والفتن والأنوار الداخلية التي تيسر العلاقات بين الأفراد والجماعات والفئات والقبائل والعشائر والطوائف، مما يفسد أو يحسن الصلات بين الداخل والخارج، بين الصريح والمضمر، بين الذات والآخر.

المثاقفة والتأثر والتأثير بين الثقافات:

على أن السرديات لا تجاهر بالأفكار والرؤى، ولو تأملنا التاريخ العربي والإسلامي، فإن كثيراً من سردياته تحمل المعاني والدلالات والمجازات والاستعارات الرموز والإشارات.. الخ التي تفصح عنها اللغة العربية ومستوياتها كلما كُشف عن عناصر التمثيل الثقافي فيها وتفاعلها بين الثوابت والمتغيرات من جهة والأصول وتحولاتها لدى معاينة المثاقفة والتأثر والتأثير بين الثقافات من جهة أخرى.