الترجمة وتسهيل التواصل المعرفي والعملي والتجاري بين الأمم.. مؤهلات المترجم وأمانته في النقل وإجادته اللغتين في الموضوع المعنيّ



مصطلح الترجمة يضم أنواعاً مختلفة من الترجمة أبرزُها الترجمة المعرفية التي ينصرف إليها الذهن عادة إذا لم تكن هناك صفة محددة مثل: الترجمة العلمية والترجمة التقنية والترجمة الرسمية والترجمة الوثائقية والترجمة الأدبية والترجمة الشعرية والترجمة الدينية.

وهناك أيضاً ترجمات محددة بالتخصص النوعي مثل الترجمة الفورية والترجمة الآلية والترجمة الرقمية digital، وكلها الآن موضع توّسع هائل، وتنطلق منها تفرعات متوالدة يومياً حسب التطور الاجتماعي والحضاري.
ولكلٍ من هذه الترجمات مشكلاتها وضوابطها.

وإلى جانب ذلك علينا ألا ننسى أن الترجمة كانت مذ قديم الزمان وسيلة التواصل المعرفي والعملي والتجاري بين البشر، وأن أهميتها ظلت تتزايد نوعياً مع تقدم الحضارة الإنسانية وتسهيلات التواصل بين الأمم سواء كان هذا التواصل إيجابياً أو سلبياً كما هو شأن الحروب والغزوات التي تزيد يومياً من أهمية الترجمة لأجل إحراز النصر والغلَبة: "من تعلم لغة قوم أمن من مكرهم".

وهكذا لا نستطيع أن نتحدث عن الترجمة بوجه عام، إذ في كل مجال هناك تفرعات تزداد تخصصاً نوعياً مع تقدم الحضارة الإنسانية.

وفي المناسبة الحالية نفضل أن نحصر الحديث بالترجمة المعرفية (المكتوبة) التي تتناول الآداب والاجتماعيات والتربية والعلوم، أي المتداولة في الكتب والمؤلفات والمجلات التي ينشرها العاملون تحت عنوان الترجمة.

ومنذ البدء يؤسفني أن أصرّح أن ثقافة الترجمة المعرفية بوجه خاص تكاد تكون شبه مهملة وتعاني من مقولات ومعايير بعيدة عن الصواب.

ذلك أن كلمة "مترجم" مرتبطة في الأذهان بصورة ذلك المترجم الذي يجلس على كرسيّه أو تحت خيمته أو في دكاكين الترجمة قرب أبواب الوزارات والمؤسسات العامة، ويحمل معه في الأغلب صِيغاً وبيانات جاهزة لموضوعات معينة يختار منها ما يناسب الزبون.

والمعذرة من إخواننا جميعاً حين نؤكد أن سوق الكتاب المترجم تحتاج إلى معايير تتضمّن مؤهلات المترجم وأمانته في النقل وإجادته اللغتين في الموضوع المعنيّ على الأقل.

مع التأكيد أن معظم الناس يدركون أن السباق في سوق الكتاب لا يرحم عندما يكون الكتاب المقصود ترجمته من تأليف أديب ذي شهرة أو زعيم ذي عظمة ولاسيما المذكرات والسير الذاتية، أو يعالج موضوعاً ساخناً لا يحتمل التأخير.

وهنا لابد من التذكير أن سمعة المترجم نفسه هي كذلك لها تأثير كبير في رَوْز مصداقية الترجمة مثلما هي للمؤلفين، وللكتاب المترجم سمعتُه الخاصة.

وأذكر أنني في ستينات القرن الماضي حين كنت أعدّ رسالة الدكتوراة في بريطانيا (كامبردج) نُشرتْ ترجمة السيرة الذاتية لجان بول سارتر، وقوبلت الترجمة بتهليل مرتفع النغمة لا يتناسب مع برودة وحصافة كتّاب الصفحات الأدبية في الجرائد والمجلات البريطانية، ولاسيما في ملحق التايمز الأدبي Times Literary Supplement.

وبالطبع كانت شهرة سارتر هي العامل الأول، ولكن كان هناك تهليل بل ضجيج خاص حول مترجمه البارع ودار النشر.