يفترض الحديث عن الميتامسرح باعتباره ممارسة ميتانصية شبيهة بالميتارواية والميتاشعر، الانطلاق من اعتبار المسرح جنسا أدبيا.
والواقع أننا حين نفكر في النص المسرحي من زاوية شعرية النص الأدبي، فإننا نسير في هذا الاتجاه.
إلا أن ثمة معطى قد يشوش على هذا الاختيار، ويتعلق بالوضع المزدوج للمسرح الذي يجعله نصا أدبيا وفرجة في آن واحد.
إن هذا الوضع يتطلب استحضار إشكال الخصوصية المسرحية، ويدفع إلى القول إن الميتامسرح ممارسة ميتانصية، لكنها تتم بأدوات مسرحية أساسا.
فالنص المسرحي يتكون من طبقتين نصيتين هما : الحوار والإرشادات المسرحية. لذا، فإن التساؤل المطروح هو: أين تظهر الميتانصية، هل في الحوار، أم في الإرشادات المسرحية، أم فيهما معا؟
لقد حاول بعض الدارسين التصدي لهذا الإشكال باعتماد مفهوم مرن قابل للتكيف مع ظواهر علمية ولسانية وسيميائية وأدبية في آن واحد، هو مفهوم الميتالغة Métalangage، الذي انحدر من المنطق ليخضع لنوع من التعميم جعله ينتقل إلى حقل اللسانيات ثم إلى حقل النقد الأدبي.
ففي سياق حديثها عن الوظائف الست الجاكبسونية في علاقتها بالخطاب المسرحي، ترى آن اوبرسفيلد Anne Ubersfeld أن الوظيفة الميتالغوية التي نادرا ما تحضر في الحوار الذي لا يفكر في شروط إنتاجه إلا قليلا، تشتغل بشكل كبير في كل الحالات التي تحضر فيها المسرحة، أي الإعلان عن المسرح، أو المسرح داخل المسرح، أي في حالة القول: إن سنني سنن مسرحي.
لكن الملاحظ ان أوبرسفيلد بقيت وفية في هذا التحديد لتعريف جاكبسون للميتالغة باعتبارها سلوكا لغويا مضاعفا ينصب على السنن. لذا، فهي ترى أن الحوارلا يمكن أن يتضمن وظيفة ميتالغوية.
إلا أن استقراء بسيطا للحوار المسرحي سواء في التأليف الكلاسيكي الذي كان يتوارى فيه المؤلف وراء شخوصه ويجعل البعض منها يتحدث باسمه، أو في التأليف الحديث الذي سمح له بالخروج إلى واجهة الأحداث كي يعبر عن مواقفه وآرائه النقدية والنظرية مباشرة عبر إبداعه، يجعلنا نؤكد أن هذه الممارسة الميتالغوية كانت موجودة دائما، لكن بأشكال مختلفة.
وبالنظر إلى العلاقة بين الحوار والإرشادات المسرحية، يشير أحد الباحثين إلى "إمكانية اعتبار الإرشادات المسرحية لنص درامي ما ميتالغات، ودراستها على أساس كونها كذلك".
ويستند هذا الرأي إلى الطابع الوصفي لهذه الإرشادات التي تتخذ الحوار على أساس كونه لغة - موضوعا Langage - objet.
إلا أن ما يغيب عن صاحب هذا الرأي هو الوضع الذي تتخذه الإرشادات المسرحية في بعض التجارب الطليعية في المسرح، حيث يغيب الحوار كليا وتصبح هي الخطاب الوحيد في النص.
وسواء أخذنا الرأي الأول أو الثاني، فإننا سنلاحظ غياب الحديث عن البعد الميتانصي في هذه الميتالغة المتصلة بالنص المسرحي، والحال أن هذا النص، شأنه شأن الرواية والشعر، قابل للجمع بين خطابه التخييلي وخطاب نقدي محايث له في سياق واحد.
وهو حين يقوم بذلك يصبح نشاطا متأملا لذاته ولعبيا، أي يمزج - بمرح - الملفوظ (النص المقول، الفرجة المصنوعة) بالتلفظ (التفكير حول المقول).
وهذا المزج بقدر ما يتم عبر قناة الحوار، بقدر ما تساهم فيه الإرشادات المسرحية أيضا.
وإذا كانت الممارسة المسرحية تفترض وجودا آخر يتحقق في العرض، فإن هنالك مبدأ ثابتا يتحكم في علاقة النص بالعرض - كيفما كان الشكل الذي تتخذه هذه العلاقة: ترجمة، تأويل أو ثقاطع - وهو أن لغة العرض تبنى في الغالب على لغة النص مما يجعلها تشتغل كلغة فوقية أو بعدية.
ولعل هذه العلاقة هي التي أوحت للبعض بإقامة تشابه بين علاقة النص النقدي بالنص الإبداعي وعلاقة العرض بالنص المسرحي، حيث يصبح العرض بمثابة ميتالغة بالنسبة للنص.
في هذا الصدد يقول برنار دورت Bernard Dort: ألا يعني عرض عمل ما إخضاعه، في الواقع، لنقد الخشبة ثم لنقد القاعة؛ أي التأكد من مدى قدرته على الإشتغال اليوم؟ [...] ثمة تشابه بين عمل الناقد الذي يقضي أن يحدثنا عن العمل بلغة أخرى، وعمل المخرج ومساعديه الذي يتمثل، أساسا، في إيجاد معادل للعمل، إن لم يكن داخل لغة أخرى (هل يمكن الحديث عن لغة العرض؟).
فعلى الأقل ضمن أشكال العرض المسرحي بما فيها فضاء الخشبة، جسد الممثل وكلامه [...] يتعلق الأمر، سواء في هذه الحالة أو تلك، بإعطاء معنى للعمل عبر شكل جديد، أو عبر ما نسميه "ميتالغة"، والسماح بفهم متجدد ودائم له، من خلال ذلك.
صحيح أن العرض يشي بهـذه الخاصية النقديـة، مـادام يـخرج النـص إلـى المواجهة، ومادام يضمر العديد من الدلالات النقدية بما فيها الكشف والتعرية والإظهار والمواجهة المباشرة وإشراك المتلقي.
لكن السؤال المطروح هنا هو: إذا كان العرض يقوم بهذه المهمة بالنسبة للنص، فهل يمكنه أن يؤدي نفس الدور بالنسبة لذاته؟
أو بعبارة أخرى: هل يمكنه استغلال أنساقه التعبيرية لخلق ممارسة ميتالغوية متصلة بخطابه الفرجوي؟
إن هذا التساؤل يضعنا في صلب إشكال كبير يتعلق بعلاقة الميتامسرح بالعرض وليس بالنص، وبمدى إمكانية تأمل المسرح لذاته عبرالأنساق غير اللغوية للعرض.
يجيب بافيس على هذا الإشكال بقوله: يجد المسرح صعوبة في الحديث عن المسرح بأدوات مسرحية، أي أدوات غير أدبية وغير لغوية وإنما أدوات فرجوية ولعبية.
لذا، فإن بيرانديلو نفسه ليس سوى منظر كثير الثرثرة.
يتضح جليا، من خلال هذا الرأي، أنه يستعصي على المسرح صياغة خطاب ميتامسرحي خارج إطار اللغة الأدبية.
ولعل هذا ما يزكي الاختيار الذي انطلقنا منه، منذ البدء، والمتمثل في اعتبار المسرح أدبا، واعتبار الميتامسرح ممارسة ميتانصية متصلة بالحوار وبالإرشادات المسرحية في آن واحد.
وانسجاما مع هذا الاختيار نفترض أن الميتامسرح - علاوة على كونه ممارسة ميتانصية - يعد شكلا من أشكال التجويف الأدبي Mise en Abyme littéraire؛ والتنصيص على نعت "أدبي" يدخل في حسابه وظيفة اللغة الأدبية في المسرح بالدرجة الأولى.
التسميات
تجويف ميتامسرحي