تجمع صنعاء ودول القرن الأفريقي.. إقامة علاقة تعاون بناء بين دول جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي وتعزيز الأمن والسلام في المنطقة



تجمع صنعاء ودول القرن الأفريقي

 (تجمع صنعاء): هو مظهر من مظاهر التحالفات السياسية في القرن الأفريقي، وهو عبارة عن تحالف إقليمي بين ثلاث دول هي: إثيوبيا، والسودان، واليمن، وقد ولدت مسودته في اكتوبر/ تشرين الأول عام 2002م في قمة جمعت زعماء الدول الثلاث في العاصمة اليمنية صنعاء.

ولا يمكن النظر إليه بمعزل عن المؤثرات السياسية في منطقة القرن الأفريقي، وهي كثيرة: منها ما هو موضوعي كالوجود الأمريكي في المنطقة، ومنها ما هو ذاتي كالصراعات الناشبة بين الأنظمة الثلاثة من جهة وإرتريا من جهة أخرى.

التعاون بين دول جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي:

ووفقاً للبيان الختامي الصادر يوم تأسيسه عن اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث المشار إليها: أن الغاية من إنشائه تكمن في إقامة علاقة تعاون بناء بين دول جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وتعزيز الأمن والسلام في المنطقة.

وفي قمـة (أديس أبابا) تاريخ 29 /12/2003 م أكـد رؤسـاء الـدول الثلاث بـأن باب العضوية فـي التجمـع مفتـوحة لكـل مـن يـؤمن بأهدافه ومبادئه من دول المنطقة، لكن مع ذلك يلاحظ المتابع غيـاب إرتـريا؛ فمـاذا إذن وراء هـذا الغيـاب؟.

معارضة ارتريا:

الإرتريون من طرفهم يرون فيه تجمعاً يستهدف نظامهم، ويعمق عزلتهم، وهو جزء من الصراع الذي تقوده إثيوبيا ضدهم في المنطقة سعياً إلى إسقاط (نظام الجبهة الشعبية) في أسمرا؛ ومن هنا قال إسياس أفورقي عن قيادة التجمع: إنهم يعملون لإسقاط نظامنا، ولكن سنتغلب عليهم بالتعاون مع حلفائنا، ولن يستطيعوا أبداً.

أما وزير خارجيته (علي سيد عبد الله) فيقول عنه في مقابلة له مع الشرق الأوسط نشرت بتاريخ 14/12/2003: هذا مولود مشوّه وكسيح ولا خوف منه بتاتاً، وهو في المقام الأول لا يقوى على فعل شيء.

حصار ارتريا:

وفي دراسة أعدها المركز الإرتري للدراسات الاستراتيجية تحت عنوان «قمة صنعاء الثلاثية ـ قمة تعاون أم تآمر» نجد القراءة الإرترية لأهداف التجمع تشير إلى أنه يحمل أجندة علنية، وأخرى سرية؛ وإذا كانت العلنية تلك التي تناقلتها الوسائل الإعلامية كما أفصح عنها قادة التجمع فإن السرية كما تلخصها تلك الدراسة الإرترية هي:
- أولاً: السعي لفرض عزلة إقليمية على إرتريا.
- ثانياً: دعم العناصر غير الوطنية، والإرهابية.
- ثالثاً: التآمر على إرتريا بلداً وشعباً.
- رابعاً: العمل لإسقاط الحكومة الوطنية الإرترية، وتنصيب حكومة من الخونة، والعملاء، والإرهابيين خدمة لمصالح أنظمة دول حلف صنعاء الثلاثي.

الحركة الإسلامية الإرترية:

وللإفادة فإن الإرهابيين مصطلح يستخدمه النظام الإرتري في الإشارة إلى (الحركة الإسلامية الإرترية) في حين المقصود بالخونة والعملاء هم أولئك الذين يعارضون خطه من بقية فصائل الثورة الإرترية وهؤلاء الذين انشقوا عنه لاحقاً، وانضموا إلى معسكر المعارضة، ومما يجدر ذكره هنا أن كثيراً من فصائل المعارضة الإرترية بما في ذلك (الحركة الإسلامية) بشقيها يجمعها تحالف مشترك باسم (التجمع الوطني الإرتري) بقيادة (حروي تدلا باريو) وهذا له ترحيب من دول صنعاء من باب المجازاة بالمثل.

وقوبلت هذه القراءة الإرترية من قِبَل رؤساء دول التجمع بشيء من الإزدراء والاستخفاف؛ ففي قمة (أديس أبابا) المشار إليها ـ أعلاه ـ بعد أن اتهم الرئيس السوداني (عمر البشير) إرتريا بزعزعة أمن بلاده، وأيده في ذلك رئيس وزراء إثيوبيا (ملس زناوي) بقوله: «إن إرتريا تعاني من مشاكل مع كل جيرانها»، وسخر رئيس الوزراء الإثيوبي من القراءة الإرترية لأهداف التجمع قائلاً: إن تشكيل تحالف ضد دولة صغيرة أمر غير وارد، وأن كل عضو في منتدانا قادر علـى مواجهة إرتريا بمفرده.

بينما قال الرئيس اليمني (علي عبد الله صالح): إن لإرتريا خلافات مع كل دول الجوار، والمخرج الوحيد لها هو الحوار مع هذه الدول وليس المواجهة.

ومهما كانت قراءة الإرتريين لأهداف التجمع ونظرتهم إلى آثاره النفسية والسياسية عليهم، وبالمقابل مهما تباينت وجهات نظر المحللين في تحليل (حلف صنعاء) وتلمس أهدافه فإن الحلف بلا شك عزل إرتريا سياسياً واقتصادياً، وليس صحيحاً ما يقوله وزير خارجية إرتريا من أنه ولد كسيحاً ومشوهاً، ولا ينتظر منه أن يفعل شيئاً.

الحصار الاقتصادي لإرتريا:

فالحصار الاقتصادي المضروب على إرتريا من دول محور صنعاء بجانب العزلة السياسة المفروضة عليها أوصل البلاد إلى أقصى درجات الضيق والحرج المعيشي، وأربك السياسة الإرترية كل الإرباك.

وحالة اللاحرب واللاسلم التي تعيشها إرتريا مع إثيوبيا أقعدت الاقتصاد الإرتري تماماً عن الحركة، وأصبح معها المجهود الحربي وتجنيد قوى الشباب الهم الأول والرئيس في أجندة حكومة (أفورقي).

عزل النظام الإرتري:

أيضاً نمَّى (حلف صنعاء) مشاعر الثقة بالنفس في القوى المعارضة لسياسات (أفورقي) من خارج نظامه وداخله، فازدادت نسبة الهاربين من مختلف أجهزة النظام والرتب القيادية إلى كل من السودان، وإثيوبيا، واليمن عبر الحدود المشتركة لتخوض ضده عملاً سياسياً أو عسكرياً؛ بغية إسقاطه نتيجة لحملة الاعتقالات التطهيرية التي تشهدها ساحة الحزب الحاكم.

من هنا نستطيع أن نقول: إن حلف صنعاء فعلاً يستهدف ضمن ما يستهدف عزل النظام الإرتري، وتضييق الخناق عليه من أجل إسقاطه وإزاحته، وإثيوبيا -كما قلت من قبل- أكثر حماساً وتطلعاً إلى تغيير النظام السياسي الحاكم في إرتريا.

وحقيقة أن النظام في إرتريا هو الذي بدأ انتهاج هذا النهج يوم أعلن أنه لن يهدأ له بال إلا بإسقاط (نظام البشير)، لكن جاءته الرياح من حيث لا تشتهي سفنه لتعصـف به من حيـث لا يحتـسب، وبـات هو المهدد بالسقــوط أكـثر مـن غيره نتيجة أخطاء أرتكبها بيده، وأحسب أن القرن الأفريقي على موعد مع أحداث إثيوبية إرترية من المتوقع أن تكون أكثر دموية وأشد عنفاً.