الوظيفة التأويلية: الميتامسرح تأريخ للإنتاج والتلقي المسرحيين.. التاريخ الممسرح له أبعاد أخرى نقدية وجمالية يخلق تقابلا بين بنيات أدبية قديمة وأخرى جديدة



هناك إجماع بين العديد من الآراء يرى في مسرحية "ست شخصيات تبحث عن مؤلف" لبيرانديلو تأريخا ممسرحا للدراما.

فبيتر زوندي اعتبرها عرضا ذاتيا لتاريخ الدراما، ومانفريد شميلنغ قال إنها عرض ذاتي نقدي لتاريخ الدراما، أما باتريس بافيس فرأى فيها عرضا لخمس وعشرين قرنا من الشعرية المسرحية.

ولعل المثير في هذا الإجماع هو الصيغة الجديدة التي أصبح عليها مفهوم "تاريخ الأدب"، وهي صيغة إبداعية، أو بعبارة أوضح صيغة داخل - نصية.

فالتصورات القديمة كانت تجعل "معظم تواريخ الأدب إما تواريخ اجتماعية أو تواريخ للأفكار كما تتوضح في الأدب، أو أنها انطباعات وأحكام على أعمال معينة رتبت تقريبا حسب التسلسل الزمني".

إلا أن التصور الجديد يقوم على قاعدة الإبداع في بعديه الإنتاجي Productif والتقبلي Receptif، بمعنى أنه يؤرخ من داخل الإبداع المسرحي للإنتاج والتلقي في آن واحد، متفاديا بذلك التحول الذي يمكن أن يقع فيه تاريخ الأدب والذي قد يجعل منه ضربا من السوسيولوجيا.

إن الميتامسرح - بتأسيسه لمفهوم جديد لتاريخ الدراما - يسير بموازاة المسار الذي رسمه ميكائيل ريفاتير لتاريخ الأدب، والذي يؤكد فيه على علاقة الظاهرة الأدبية بمتلقيها، وذلك حين يقول: "يواجه التاريخ الأدبي دائما خطر التحول: فهو ينقلب بسهولة إلى تاريخ أفكار، إلى سوسيولوجيا. وغالبا ما يكون مجرد دراسة تاريخية لظواهر ذات طبيعة أدبية بالأساس.
لذلك، فهو في أمس الحاجة إلى إحاطة نفسه بالضمانات التي تقدمها مسلمات التحليل الشكلي الأساسية، وهي: أن الأدب لا يتكون من نوايا، بل من نصوص. وأن النصوص تتركب من كلمات وليس من أشياء أو أفكار. وأن الظاهرة الأدبية لا تتحدد بالعلاقة بين المؤلف والنص، بل بالعلاقة بين النص والقارئ".

انطلاقا من هذا التصور، يمكن القول إن التاريخ الممسرح بإدخاله لهذه المعطيات الجديدة تصبح له أبعاد أخرى نقدية وجمالية.

فهو يخلق، من جهة، تقابلا بين بنيات أدبية قديمة وأخرى جديدة، وبذلك فهو يقوم على المواجهة والصراع والهدم والبناء. كما أنه من جهة أخرى، يجعل المتلقي طرفا في هذا الصراع ويدفعه إلى الإحساس بتطور البنيات الأدبية.

وعندما يضطلع الميتامسرح بهذه المهمة تصبح له وظيفة أخرى يمكن تسميتها بالوظيفة التأويلية Herméneutique التي يشرحها شميلنغ قائلا: "يشكل المسرح داخل المسرح نوعا من التاريخ الأدبي داخل العمل نفسه، لأنه يتضمن، شأنه شأن كل شكل مفكر فيه، نقدا أو حكما على ماض أدبي بصفة عامة، وعلى شروط إنتاج النوع وتلقيه بصفة خاصة.
لذا، يمكن أن تكون للميتامسرح وظيفة تأويلية محايثة تقتضي الإشارة إلى ما ينتمي لتقليد متجاوز، وجعل المتلقي يشعر بتطور ما.
إنه يشكل، إذن،أدب مواجهة".

يستخلص من هذا القول أن الميتامسرح يخلق آليات كفيلة بتحويل التلقي السائد.
فطبيعته كممارسة مسرحية نقدية تقوم ضد الإيهام والجاذبية والإندماج، تصنع فرجة متعددة الأبعاد تسمح للمتلقي بحرية أكبر في التعامل معها من زوايا مختلفة، ويصبح المجال مفتوحا أمامه للمقارنة والنقد والحكم.

بعبارة واحدة يمكن القول - اسيتحاء لجمالية التلقي - إن أفق انتظار المتلقي يدخل في الرهان لأنه يصبح معرضا للتحول.

إن الوظيفة التأويلية للميتامسرح تسمح بإعادة كتابة تاريخ الدراما بكيفية نقدية، وتفتح أفقا جديدا للتلقي المسرحي يجعل الدراما مسايرة لروح عصرها ويطبعها بالدينامية.