مجموعةٌ ذاتُ نكهةٍ مميّزة في مجموعة (رهبةُ الظل) لمحمد إبراهيم يعقوب



مجموعةٌ ذاتُ نكهةٍ مميّزة في مجموعة (رهبةُ الظل) لمحمد إبراهيم يعقوب:
- تفرحُ حين تقرأ شعراً جميلاً، وأنتَ في زحمة الأسماء ،وتراكم المجموعات الشعرية المستنسخة ، وتشابه النصوص.

يكتشف المتلقي - منذ القراءة الأولى لمجموعة (رهبة الظل) لمحمد إبراهيم أنها تسعى للبحث عن خصوصية معينة على الرغم من أن الحيرة تبدو واضحة علـى نصوصها التي تتوزع بين الشكلين العمودي والتفعيلة، حتى نصوص التفعيلة - لو أعيد توزيع الأسطر فيها -  لكانـت عمودية.
نقول على الرغم من ذلك فالمجموعة جميلة وتميّزت بالشفافية والتفرد.

- وقد أسست المجموعة (الرؤية والرؤيا) على المناخ الرومانسي، وجعلت كافة العناصر المكونة لهما تخضع لخدمة هذا المناخ من لغة وتركيب وصورة فنية وتخييل فني وغير ذلك.

ولكنها - مقابل ذلك - لم تستسلم للوعي الفلسفي الرومانسي الذي يتخذ من الأنا مركزاً له في قراءة الموضوع.

هذا الوعي الذي يُعادي الواقع، ويضع الفرد دائماً في صراع مع الآخر، ويطرح دائماً ثنائية الأنا والعالم، ولهذا فهو يمجد الألم، ويستمتع به، أعني (لم تقرأ المجموعةُ الموضوعَ من خلال الذات)، وإنما أفادت من الرومانسية مناخَها، وشفافيتها، ونقاءها.

إن الفرد - في مجموعة رهبة الظل - لايعادي الواقع، بل يسعى دائماً للتوحّد به.
وقد قرأت المجموعةُ الذاتَ من خلال علاقتها النوعية بالواقع.
وربما كان ذلك أحدَ أسباب تميزها.
ولعل الإشارات التالية تؤكد ذلك.

- لقد بنت مجموعة رهبة الظل الرؤيا من خلال ( الحلم الجميل ) الذي يرتكز على الأسس التالية: الفرح غير المجاني، والتدفق العاطفي، والشـعور بالقدرة على التجاوز، والتوحّد بالآخر على الرغم من بعده، وانتقال مفهوم الحب من الفرد إلى المجموع، ويشارك في ذلك عناصر الطبيعة.

- لقد أثبتت المجموعة أن الشكل الشعري مهما كان انتماؤه لايُعيق (الشعرية)، ولايمكن أن يقف أمام المعاصرة، أو التعبيره عنها؛ فعلى الرغم من أن النصوص اعتمدت الشكل العمودي، لكنها استطاعت أن تحوّل المفاهيم الجمالية إلى قيم جمالية مستغرقة في سياقاتها.

صحيحٌ أن التعبير غلبَ التصوير في المجموعة لكن التدفق الوجداني استطاع أن يعوض عن ذلك، وأن يحول الموقف الشعري من  حالة ذاتية مجرّدة إلى حالة شعرية يمتزج فيها الخاص بالعام / الأنا بالموضوع، ولابد للمتلقي من التعاطف معها، بل أكثر من ذلك أن يُسقطها على حالته؛ أعني أنه ليس بالضرورة أن أن تُحمل النمذجةُ، ومن ثَمّ التعميم الفني على الصورة الفنية ذات المواصفات الخاصة، وإنما أثبتت المجموعة أن التدفق الوجداني يمكن أن ينمذج الحالة الشعرية فيعممها.

ومن نماذج ذلك:
أعـودُ كابتسامةِ الغمـامِ -- وشهوةِ  الرمالِ  في عظامي
وأصطفي هناكَ من جنوني -- غوايـةً   تليقُ   بالغـرامِ
وصحوةُ البيـاضِ تحتويني -- فأرشـقُ  الفضاءَ   بالمدام
وأعشقُ الوجـودَ أغنياتٍ -- وأكسـرُ الرحيلَ  بالتئامي
وأنتِ  يا خرائطَ ابتهاجي -- ونكهةَ التـراب في مقامي
أحبكِ اعتناقَ  وشوشاتٍ -- وألثمُ المسـاءَ  كي  تنامي

وأيضاً:
يا غايـةَ الآمال  دونَكِ عاشـقٌ -- كادتْ رؤى آمالـِه أن تخذلَهْ
عودي فما اقترفتْ سواكِ مواجعي -- والصبرُ إثـمٌ لا أُطيـقُ تحمّلهْ

- إلى جانب ما تقدّم بَنَتِ المجموعةُ الرؤيا على الاعتزاز بالماضي بعد مزجه بالنموذج المعاصر.
ففي مدينة الرياض يتعانق الحاضر الجميل بالماضي المشرق.

ومما يعزّز هذه العلاقة المتألقة بين الحاضر والماضي تعميمُ حالة الحب الثناثية.
وإن كـانَ عمقُ الحياةِ  رؤى -- فإن الرؤى بالـهوى  أعمقُ
ريـاض الثقافـةِ إنـا هنا -- نرودُ فضاءاتِ مَـن حلّقوا
نَسجْنا مـن الشمس أخلاقَنا -- ومن كوثرِ العزِّ  مـا نُغْدقُ 
وماذا أحـدِّثُ  عن عشقِنا -- وهـذا  هـو المأزقُ  المأزقُ
نذوبُ إذا الريحُ مالتْ شجىً -- ونَفدي  الخيالَ الذي يطرقُ

- لم تُشر المجموعة إلى (القبيح) صراحة لكنها أفصحت عنه مـن خلال تثبيتها لقيمة (الجميل)، فالقبيح هو كل ما يشوه العلاقة الإنسانية، وصفاء اللحظة الجميلة.

- وعلى الرغم من قسوة الانسكار الذي تؤكده الرؤية، فإن التوحد بالآخر هو الذي يعيده إلى التوازن.
ومن هنا فالتفاؤل لم يأتِ في المجموعة مجانياً:
هُزِمتُ  هُزمتُ أزمنـةً -- وكـانَ الخوفُ راياتي
أحثُّ خطـايَ لا أدري -- إلـى  أينَ اتجاهاتي
شريدٌ  حـائرٌ أسِـفٌ -- علـى أقدارِ مأساتي
وحينَ سـألتُ أوردتي -- وجدتُكِ بيـن طياتي
فإن كنتُ انكسرتُ هوى -- لعينيكِ انكسـاراتي

- ومما أغنى الشكل الجمـالي للنصوص التنوّع في التناص، وقد بدا عبر ثلاثة أشكال:

1- أولها: مقاربة المناخ الصوفي الذي دعم جانب الشفافية في المجموعة:
سآوي إليكْ
فكلُّ المواني والذكريات
تذوبُ تذوبُ على راحتيكْ
وأنتِ الحياة
وما الحبُّ إلا شعاعٌ شفيفٌ
يُضيءُ الطريقَ يدلُّ عليكْ
ألا ما أعزَّ الصباح الجميل، وذاك الندى
وتلك العصافيرْ
تلك التي لا تَمَلُّ الغناءْ
إذا استيقظَ الكونُ قبلَ الحياةْ
وأنتِ الحياةْ

2- وثانيها التناص مع نص معاصر:
 الحبُّ ليس زجاجةً
أو قصةً أو مَرسَمَهْ
الحبُّ ليس وسيلةً تَـتْرَى الملامح مرغمهْ
الحبُّ أمسى خنجراً
فاغرِسْهُ في صدري بريئاً كي أكونَ المجرمهْ
وهذا تناص مع قول نزار قباني من حيث التناول:
الحبُّ ليس روايةً شرقيةً -- بختامها يتزوجُ  الأبطـالُ
لكنه الإبحارُ دون سفيةٍ -- وشعورُنا أن الوصولَ محالُ

3- وثالثها التناص مع نص قديم للتعبير عن القبيح، ومن ذلك قوله:
الراكضونَ، تأنَّـقوا، يحدُوهمُ أملُ اللحاقْ
كادتْ رِقاعُ السِّلمِ بين ضلوعِهم أن تنتهي
خلعوا ثيابَ نسائِهم فوقَ الحِمى
وتأنقوا، وتساءلوا، بل بعضُهم والبعضُ عارْ
هل: يسلمُ الشرفُ الرفيعُ
من الأذى؟

- ومما تؤكده المجموعة أن الحب بمفهومه الإنساني يظل دائماً هو البديل لكل شيء:
إني كتبتُكِ عشـقاً لا اُحيطُ به -- اللهُ يعلمُ  مـا  يخفي لـكِ   الورقُ
وقد ذهبتُ بعيـداً فـي مخيلتي -- كيما أفتـشُّ    عـن  لفظٍ به  ألقُ
كيما ألملمُ  إحسـاساً يبعثرنُي -- بين الزوايا كأنـي  كلُّ  من عَشِقوا
ما أعذبَ الـحبّ آمالا ً معتقةً -- إن جئتَ تسكبُها ضاعتْ بك الطرقُ

- نود أن نشير أخيراً أنه مما يؤخذ علـى الشاعر علوُّ صوت الخطاب الشفوي على (الشعرية)، وتقييد بعض النصوص بأنماط لا تنسجم وجموح الحالة الشعرية.

وقد برز ذلك من خلال القلق الواضح في الشكل البنائي لبعض النصوص.
ونظن أن الشاعر لو أطلق العنان لموهبته لكان أقرب إلى التميز، والتفرد اللذين ينشدهما كل شاعر.
- تظل مجموعة رهبة الظل لمحمد يعقوب مميزة في شفافيتها، وفي رؤاها، وفي تفردها.

وقد استطاعت أن تعمم النموذج الفني، فعبّرت عن جيلها، وأعلنت أن الحب الذي يتجاوز الأنا إلى الآخر هو السبيل إلى التوازن، والطريق إلى التجاوز والتخطي، وبه يبدأ العطاء.
إنها مجموعة ذات نكهة مميّزة.