سعاد الكواري.. المشي على الأشواك في قلب الصحراء لتكون صانعة نفسها بعد أن كانت صانعة الرجال



انطلقت بصمت قبل أكثر من عقد من الزمن، وبصورة تبدو كأنها على استحياء في مجتمع لا يعطي أهمية للشعر، وللإبداع عموماً.. مجتمع تعود على الانشغال بالهموم اليومية، وبترتيب أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، بشكل لا يعطيه وقتا للانصراف لقراءة الشعر، بل للقراءة عموماً.. 
ظلت تكتب وتكتب، وتنشر متحدية ظروفا اجتماعية قاسية.. مجتمع الصحراء لا يولد الزهور.. مجتمع القسوة لا ينتج غير الأشواك.. لكن الأشواك في ظل الحب تغدو كأنها بلسم للقلوب.. 
ارتضت أن تمشي على الأشواك في قلب الصحراء، فبدت مصطلحاتها وجملها نابعة من صحراء الخليج.. ومن القهر والعذاب ولدت قصائدها.. فهي تبقى امرأة بين مئات الرجال الذين يحق لهم أن يعبروا عن أنفسهم وأن يظهروا فحولتهم، وأن يقولوا لمن شاءوا نحن هنا.. أما هي فينبغي عليها أن تدفن وجهها في التراب قليلاً وأن تنشر قصيدتها باسم مستعار، وألا تقول للناس أنا شاعرة أو كاتبة، وأن ترضى بما قسمه له مجتمعها، فتاة مطيعة، تلميذة متفوقة، ومن ثم زوجة تلتزم منزلها وتعطي فرصة للأمومة من داخلها أن تنمو وتنمو وتكبر في غير صالح إنسانيتها بالدرجة الأولى.. 
كل ذلك بالنسبة لها كان واضحاً، لكن ثمة فرسا بداخلها يجمح ويصهل، ويقول: لا.. لكن ثمة ثمنا كبيرا لهذين الحرفين، ثمة من سيجعلها تدفع ثمناً غالياً نتيجة هذا الجموح، فليس مطلوباً منها أن تجعل نفسها نداً للرجل في مجتمع تعود أن يكون ذكورياً وأن يقول للأنثى، أنت صانعة الرجال، لكن لست صانعة نفسك.. 
بالطبع فهي قد لا تنفرد بهذا المعنى وحدها، قد يكون هناك آلاف مثلها وقعن في نفس المأزق وشربن من نفس الكأس ، نستطيع أن نعدد العشرات منهن على امتداد الخليج، فهن قد أصبحن أعلاما كل في مجالها.. 
سعاد الكواري التي خلقت هذا المارد الشعري بداخلها، فاستطاعت أن تنطلق بكل ثقة من قطر والخليج، ليبرز اسمها في المحافل الشعرية، ومن ثم لتغدو قصيدتها محلقة من صحراء الخليج إلى سماء العالم.. وإن بقيت مفردتها ملتزمة بمحيطها وبيئتها فإن ذلك لا يعني الانغلاق بقدر ما يعني الإيمان بمبدأ الخصوصية غير المقيدة لحرية الكلمة بداخلها، فنجيب محفوظ لم ينسلخ عن مقاهيه وحواريه الضيقة، ولم يمنعه ذلك من أن يحصل على نوبل.. 
تلك هي سعاد الكواري ابنة بيئتها ولا يمكنها أن تكون غير ذلك..