استلزم التطور العلمي والتكنولوجي المعاصر منذ منتصف القرن العشرين، توفير أطر مدربة أحسن تدريب لتشغيل الآلة بكل أنماطها؛ مما دفع بالمجتمع الغربي - كما يذكر حمداوي - أن يعيد النظر في المدرسة وطبيعتها ووظيفتها؛ وذلك بربطها بالواقع والحياة وسوق الشغل لمحاربة البطالة والفشل المدرسي واللامساواة الاجتماعية.
وهذا يعني ربط المدرسة بالمقاولة والحياة المهنية، أي على المدرسة أن تنفتح على الواقع والمجتمع لتغييرهما وإمدادهما بالأطر المدربة والمؤهلة والمتميزة، فلا قيمة للمعارف والمحتويات الدراسية إذا لم تقرن بما هو وظيفي ومهني وتقني وحرفي.
ونتيجة هذه العوامل ظهر ما يسمى بعقلنة المناهج التربوية وجعلها فاعلة ذات نتاج معرفي وإبداعي، وكان ذلك بطرح مفهوم الكفاية.
فقد خضعت المناهج التعليمية للعديد من محاولات التجديد، وكان من بين هذه المحاولات استحداث مناهج تعليمية تقوم على التدريس بالكفايات، واعتمادها مدخلا لبناء المناهج الجديدة وصياغتها، انطلاقا من مبدأ تحسين الجودة في المنظومة التربوية، وتعميم التعليم والنجاح، وتقليل نسبة التكرار، واجتناب عيوب السلوكية التقليدية التي أدت في إطار التدريس بالأهداف إلى تجزئة المعرفة بشكل يسيء إلى وحدة المعارف والمهارات التي يكتسبها المتعلم، إضافة إلى الانتقال من المنظور النظري للمرغوب فيه إلى المنظور التطبيقي.
وبهذا لم يعد التعليم مجرد تلقين معلومات، وشحن ذهن المتعلم بها، بل أصبح حلقات تدريب، وأصبح لزاما على المؤسسة التعليمية أن تغير محتوياتها وبرامجها معتمدة المقاربة بالكفايات كونها مدخلا أساسيا للتحديث البيداغوجي، والمراهنة على إعداد مواطنين قادرين على مسايرة تيار العولمة.
ورافق هذا التطور ضرورة اعتماد التوازن بين مختلف أنواع المعارف (نظرية وتطبيقية وعملية)، وكذا مختلف المجالات (ذهنية ووجدانية وجسدية).
وتؤكد كذلك ضرورة مواكبة التكوين الأساسي والتكوين المستمر لكافة أطر التربية والتكوين، ودعمه بمختلف الأشكال، لتساير هذه الأطر بخطى ثابتة مختلف التجديدات التي عرفتها المناهج.
و"اعتماد التدريس بالكفايات يمر بتحويل الكفايات إلى مهارات وقدرات عليا، تترجم إلى أفعال قابلة للملاحظة والقياس، شريطة عدم الوقوع في البنية التجزيئية والمعقدة للأهداف الإجرائية المتبناة في بيداغوجيا الأهداف".
ويلتقي هذا الحديث عن الكفايات في التدريس وتحويلها إلى مهارات وقدرات عليا مع الحديث عن الجودة ومقاييسها التي خرجت من المجال التقني والتكنولوجي، ومن التكوين المهني إلى الميدان التربوي بغية تحسين النتائج باستمرار.
ويترتب على هذا كله تنافسية تلغي حدود البلدان بين المؤسسات التعليمية والجامعات ومؤسسات التكوين عموما، وفي هذا الصدد يمكن الحديث عن تقويم المردودية، ووضع مؤشرات تساعد على اتخاذ القرار، من منطلق أن التعليم أصبح مقاولة.
ولذا نجد هذه المدارس أو تلك المؤسسات تتنافس في التسابق للحصول على شهادة الجودة العالمية (آيزو 9000) ودرجاتها، وتتباهى أنها حصلت عليها، مع أن مخرجاتها التعليمية لم ترق إلى مستوى الطموح.
التسميات
كفايات