ثورة دير الزور ضد الاحتلال البريطاني.. تحرير منطقة دير الزور بريفها ومدنها وإشعال الثورة في كافة أنحاء العراق



ثورة دير الزور ضد الاحتلال البريطاني

حققت الثورة في دير الزور معظم أهدافها الكبرى التي سعت من أجلها، وإن لم تستطع أن تحقق الاستقلال التام للعراق، وإقامة حكومة عربية غير موالية لبريطانيا فيه، كما كان يريد ياسين ورمضان وبقية ضباط العهد.
إلا أنها أنجزت نتائج هامة، وأهمها:

اندلاع الثورة في العراق وتحرير منطقة دير الزور:

1- تحرير منطقة دير الزور بريفها ومدنها من الاحتلال البريطاني، وإعادتها إلى القطر العربي السوري الذي كان وقتئذ يتمتع باستقلال تام وحكومة وطنية. وهو إنجاز لم يتحقق لأي ثورة وطنية قطرية في الوطن العربي.

2- إشعال الثورة في كافة أنحاء العراق، وهو هدف أراده حزب العهد، حين اتخذ من دير الزور قاعدة انطلاق إلى كل العراق شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً. ففي حين اشتعلت الثورة في دير الزور من 11 كانون الأول 1919. واستمرت حتى نهايات آب تقريباً من عام 1920. فإنها كانت تحريضاً أسهم في انطلاقة ثورة العشرين في الجنوب العراقي.

3- نزعت ثورة دير الزور من نفوس القوميين العرب والعشائر والأهالي في وادي الفرات وغيره عامل الخوف والرهبة تجاه جيش بريطانيا العظمى، الذي كان في رأي الكثير من الضباط والزعماء السياسيين أن مواجهته ستكون ضرباً من الجنون.

فقوات الثورة من عشائر بسيطة لم تتدرب في مدارس حربية أو أكاديميات عسكرية، سطرت نصراً في أكثر من موقع مع هذا الجيش العظيم، وألحقت به العديد من الخسائر الجسيمة في الأرواح والمعدات، وزرعت الرعب والخوف في نفوس الجنود البريطانيين. قالبة المعادلة رأساً على عقب، وأعطت جرعة عالية من الروح المعنوية للجماهير العربية الشعبية.

الانصياع البريطاني لطلبات الثورة:

فكتبت المس /بل/ حول انسحاب الجيش البريطاني أمام الثورة وتخليها عن دير الزور وعن الانصياع البريطاني لطلبات الثورة:
"إن استعداد الإدارة البريطانية للنزول عند رغبة الحكومة العربية والانصياع إلى مقترح ينبعث منه أمل معقول في تطمين ادعاءاتها في الفرات، قد أسقطته من الحساب جمعية العهد العراقية ووكلاؤها، حيث لاحظت صعوبتنا الواضحة في المحافظة على خط مواصلاتنا الطويل. ضد هجمات القوات غير النظامية عليه. ثم اعتبرت موقفنا الاسترضائي العام دليلاً على ضعفنا العسكري. وعلى هذه الشاكلة كان موقفنا هذا شيئاً متحفزاً، وليس مهدئاً لها. وكانت كتابات الصحافة السورية المحلية عن المناوشات التي جرت معنا مهما كانت لهجتها غير معقولة تُقابل بالتصديق من الجميع، فقد كتبت تقول: إن الجيش البريطاني طرد من دير الزور، وأن القوات العربية أجبرته على إخلاء البوكمال، وأنه ينتظر الضربة الأخيرة التي سوف تنزل به في عانة على يد الأمير عبد الله وقوته التي لاتقهر. وفي الوقت الذي كانت هذه الإشاعات تتردد في مقاهي بغداد. بدأ العمل في البادية"([1]).

ويشهد على رفع المعنويات العربية لدى الجمهور بعد أن تحققت عدة انتصارات لثورة دير الزور. ارنولد ولسن نفسه، فقد كتب: "إن تقلص حدودنا المستمر في الفرات الأعلى، والغارات على تل عفر وطرق الموصل. قوى الاعتقاد السائد لدى الناس، بأن وضعنا العسكري ليس في مقدوره ضبط العشائر في حال قيامها. ففي أوائل شهر حزيران أعطانا علي السليمان تحذيراً خطيراً. وهذا الرجل يُعدُّ من أكثر مؤيدينا ثباتاً بين شيوخ العشائر بالقرب من بغداد، وفي الوقت نفسه أعطانا مثل هذا التحذير شيخ مشايخ عنزة. وهو الذي أعطى آذاناً صماء للدعاية الثورية الموجهة إليه. فهو أعلن بجدية أننا إذا لم نحصل على بعض الانتصارات، فإنه لايستطيع أن يعطي جواباً مقنعاً لأفراد عشيرته.."([2]).

فشل خلق صراع ديني وطائفي في العراق:

4- إلحاق الهزيمة بالسياسة البريطانية التي يمثلها ولسن الذي يحتقر العرب، ويرفض إشراكهم في أية إدارة مدنية أو عسكرية بحجة عدم الأهلية، حتى وإن كانت الوظائف متدنية ومحتقرة. وكان ينظر إلى العرب المسلمين بعين الاحتقار والعداء.

وأفشلت الثورة خطة ولسن الساعية إلى خلق صراع ديني وطائفي في العراق، وإلى تفضيل دين على دين فكتب يقول: "كنا نعتقد أن مساهمة بريطانيا في رفاهية البشرية تكمن في تشرب حكومتها بمبادئ المسيحية. وأن العراق بحاجة إلى ماهو أكثر من فوائد الحضارة المادية، كنا نعتقد أنه مالم يتشرب العراق بمبادئ المسيحية فإنه لم يكن صالحاً للحرية"([3]). لقد أثبتت الثورة أن العرب كتلة واحدة سواء من كان منهم مسلماً أو مسيحياً، وعلى مختلف مذاهبهم وطوائفهم.

5- حققت الثورة في دير الزور وإن كانت بعد انفجار ثورة الجنوب إقامة دولة عربية في العراق، بعد الرفض المطلق من قبل وزارة شؤون الهند وولسن، كما نصب الملك فيصل ملكاً عليها.

هوامش:

([1]) المس غرتيرودبل- "فصول من تاريخ العراق القريب، ترجمة جعفر الخياط –بيروت- 1971- ص417-418.
([2]) د. علي الوردي –لمحات من تاريخ العراق الحديث –مصدر سابق ص147.
([3]) Sunday Times- 20 September 1920.
زبير فيصل قدوري