دراسات التأثير في الأدب.. إظهار ضخامة التأثير الذي مارسه الأدب الفرنسي على الآداب الأخرى

أحرز الفرنسيون قصب السبق في دراسات التأثير.
فقد مكنتهم هذه الدراسات، التي كانوا قد ابتكروها وطوروها ورعوها، من إظهار ضخامة التأثير الذي مارسه الأدب الفرنسي على الآداب الأخرى، أوروبية كانت أم غير أوروبية.

أما على الصعيد الإقليمي فإنّ دراسات التأثير أظهرت أنّ تأثير الآداب الأوروبية في الآداب غير الأوروبية كبير جداً، وهو يفوق بكثير تأثر الآداب الأوروبية بآداب القارات الأخرى.

في الحالة الأولى خدمت دراسات التأثير نزعة التعالي الثقافي الفرنسية، وهي نزعة قومية توسعيّة، شكّلت في الماضي مقوماً من مقوّمات الإيديولوجيا الاستعمارية الفرنسية، وهي تشكل اليوم الأساس الفكري والثقافي لما يعرف "بالفرانكوفونية".
والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الحالة الثانية.

فقد خدمت دراسات التأثير نزعة "المركزية الأوروبية" (Eurozentrismus) وهي نزعة متعالية توسعيّة، شكلّت مكّوناً هامّاً من مكّونات العقلية الاستعمارية الأوروبية، ومازالت إلى اليوم تخدم مساعي الهيمنة الثقافية الأوروبية.

لقد عززت دراسات التأثير نزعة المركزية والتفوق لدى الفرنسيين والأوروبيين على حدّ سواء، وكان هذا موضع نقد من جانب خصوم المدرسة التقليدية في الأدب المقارن داخل فرنسا وخارجها.

وكان في مقدمة من انتقدها من الفرنسيين المقارن الكبير رينيه اتيامبل (Rene Etiemble)، وهو مقارن ذو أفق إنساني رحب، يرى أنّ حدود الإنسانية لا تنتهي عند حدود أوروبا، وأنّ الأدب العالمي لا يتطابق مع الأدب الأوروبي ولا يقتصر عليه.

فقد حذّر ايتامبل من المركزية القومية والإقليمية للأدب المقارن التقليدي، ومن ابتعاده عن جوهر الأدب.

وقد شكل ذلك النقد خطوة هامة نحو تجاوز الاتجاه الوضعي في الأدب المقارن.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال