التراث عند عبد الوهاب البياتي وأدونيس.. الانتقال من الواحد (الأصول) إلى ثنائية (الثابت والمتحول) وكأن بين الاثنين علاقة تضاد لا تفاعل أو تداخل أو اتصال



لا ينظر عبد الوهاب البياتي إلى التراث مجرداً بل يراه من خلال الواقع الاجتماعي.
على أن الواقع عنده أوسع من حيث أنه يشمل القديم والجديد معاً.
فهو ينتظم التراث والمعاصرة معاً في تفاعلهما المستمر.

وهو يرى أن في التراث جوانب سلبية تعرقل حركة الواقع من جهة، ويقبل من الآخر (الأجنبي) ما يمكن أن يوجه الحاضر إلى آفاق أرحب وأعمق من جهة ثانية.

فالانفتاح على الآخر يعطي المجتمع قدرة على البقاء والصمود من جهة، وطاقة على المشاركة في بناء مجتمع إنساني من جهة أخرى.

 وبهذا فالتراث عند البياتي عنصر مكون إلى جانب كل من الجديد والمستجلب لا يرفض التفاعل معهما لبناء مجتمع أفضل.
والتاريخ العربي الإسلامي شاهد على التفاعل الحضاري بين الأجناس المختلفة.

وإذا كان التراث عند البياتي مفهوماً عاماً يتصل بالحياة والمجتمع فإن أدونيس حاول أن يضع تحديداً للتراث غير أنه كان يناقض نفسه باستمرار.

فالتراث يرد عنده مرة بمعنى الأصول أي الشعر الجاهلي والقرآن والحديث، ذلك أنه يعد كلاً من الشعر العباسي والفكر الفلسفي والفقه قراءة للتراث لا تراثا في ذاته.

على أنه يناقض نفسه فيرى في موضع آخر أن التراث هو الأصول والفروع معاً أي الثابت والمتحول في كتابه الموسوم بهذا الاسم.
وهو يرى التراث مرة ثالثة متعدداً وكثيراً، أي هو تراثات لا تراث واحد.

لقد انتقل أدونيس من الواحد (الأصول) إلى ثنائية (الثابت والمتحول) وكأن بين الاثنين علاقة تضاد لا تفاعل أو تداخل أو اتصال.

وكأن المتحول متحول دائماً ليس فيه عناصر ثبات والثابت ثابت أبداً ليس فيه عناصر تحول.
وهذا ما استدركه لاحقاً عندما قال: (ففي الثابت ما يكون متحولاً وفي المتحول ما يكون ثابتاً).

على أنه لم يبين نوع العلاقة المرجوة بينهما وكأنهما قطبان لا يلتقيان.
ثم انتقل إلى التعدد فخلط بينه وبين التنوع من حيث كونهما مصطلحين مختلفين.

ذلك أن كون طرفة غير امرئ القيس وزهير غير عنترة مثلاً لا يعني التعدد وإنما التنوع في إطار تراث واحد، فالتعدد لا يتحدد بتتبع الجزئيات ولكن يتحدد بأخذ الكليات كما يقرر طراد الكبيسي.

وهكذا يبدو أن مفهوم التراث غامض عند أدونيس بسبب عدم الدقة في استعمال المصطلحات أولاً وبسبب اضطراب الرؤية من مرحلة إلى أخرى ثانياً.