العمر المناسب لبداية تعليم الطفل وتأديبه وفق مراحل نموه العقلي والفكري



العمر المناسب لبداية تعليم الطفل وتأديبه:

لا يوجد سنٌّ معينة ملزمةٌ يبدأ فيها تعليم الطفل،إنما تعليمه يحدد وفق مراحل نموه العقلي والفكري"[1] فيعلم أولاً الطفل النطق،ثمَّ الكلام ثمَّ يؤخذ بتعليمه القراءة والكتابة ومعرفة أمور دينه، ويكون العلم النافع الذي يعمل على تفتح أذهانهم وتقوية أبدانهم.

يبدأ بتعليم الطفل في مراحل الطفولة الأولى بما يتفق مع نموه العقلي والفكري، والسبب في ذلك أنَّ مرحلة الطفولة هي مجال إعداد وتدريب وتعليم "[2] "والبدء بتعليمه في مراحل الطفولة حيث يكون الولد أصفى وأقوى ذاكرة وأنشط تعليماً.

وما أحسن ما قال بعضهم:
أراني أنسى ما تعلمت في الكبر + ولست بناسي ما تعلمت في الصغر
وما العلم إلاّ بالتعليم في الصبا + وما الحلم إلاّ بالتحلم في الكبر"[3]

التربية مسؤولية جماعية:

وللجميع دورٌ في التربية العلمية للطفل تبدأ بالوالدين والأهل،ثمَّ يأتي دور المدرسة والمعلم والمنهاج والمسجد والإعلام،فكل هؤلاء يشكِّلُ ركيزةً مهمة، فإذا اجتمعوا شكَّلوا قوة عظيمة تُنشئ أجيالاً ذات عقيدة راسخة وإيمان قوي وعلم متين، وبالتالي نكون أمة سيدنا محمد (ص) التي لم تخلق عبثاً لنحقق ما أمرنا به الله سبحانه وتعالى وهو الاستخلاف في الأرض، قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (30) سورة البقرة.

وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدٌ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ قَوْماً يَخْلُفُ بَعْضُهُم بَعْضاً، قَرْناً بَعْدَ قَرْنٍ، وَجِيلاً بَعْدَ جِيلٍ، أُمَكِّنُ لَهُمْ فِيها، وَأَجْعَلُهُمْ أَصْحَابَ سُلْطَانٍ عَلَيها، فَقَالَتِ المَلائِكَةُ مُسْتَعْلِمِينَ مِنَ الرَّبِّ الكِرِيمِ عَنِ الحِكْمَةِ مِنْ خَلْقِ هذا الخَلَفِ الذِي سَيُوجَدُ مِنْهُ مَنْ يُفْسِدُ وَيَسْفِكً الدِّمَاءَ.
فَإِنْ كَانَ هذا الَمقْصُودُ مِنْ خَلْقِهِمْ عِبَادَةَ اللهِ، فَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، وَنُصَلِّي لَكَ (نُقَدِّسُ لَكَ)، وَلا يَصْدُرُ مِنّا شَيءٌ مِنْ ذلِكَ الفَسَادِ. فَقَالَ اللهُ تَعَالى: إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ مُبَرِّراتِ خَلْقِهِمْ مَا لاَ تَعْلَمُونَ أَنْتُمْ، فَأَجْعَلُ فِيهِمُ الأَنبياءَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءَ وَالصَّالِحِينَ وَالخَاشِعِينَ.
وَالكَافِرُونَ الفَاسِقُونَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ بإِثَارَةِ الفِتَنِ والقَلاقِلِ وَشَنِّ الحُرُوبِ، وَتَخْرِيبِ العُمْرَانِ وَقَطْعِ الأَرْحَامِ، والإِسَاءَةِ إِلى مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ النَّاسَ مِنْ تَوَادٍّ وَتَرَاحُمٍ فِيمَا بَيْنَهُم. وَهُؤلاَءِ هُمُ الخَاسِرُونَ لأَنَّهُمْ يُحْرَمُونَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ. وَيَصِيرُونَ إِلى عَذَابٍ عَظِيمٍ يَوْمَ القِيَامَةِ.[4]

تربية الأولاد:

وبالتالي تنهض الأمة بأبنائها، ويكون لنا دور مهم في المجتمع والعالم، ونَحدُّ كثيراً من هجرة العقول المسلمة للخارج، فالحضارة الإسلامية هي حضارة العلم والمعرفة في جميع مجالات الحياة، والتاريخ يشهد بذلك، بتخريج ابن سينا والرازي وغيرهم من علماء الأمة، الذي نتمنى من الله تعالى بتظافر الجهود أن نعيد للأمة الإسلامية مجدها وعزها الديني والعلمي.

وقال الغزالي: "إنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب، ثم يشتغل في المكتب فيتعلم القرآن وأحاديث الأخبار وحكايات الأبرار وأحوالهم لينغرس في نفسه حب الصالحين ويحفظ من الأشعار التي فيها ذكر العشق وأهله، ويحفظ من مخالطة الأدباء الذين يزعمون أن ذلك من الظرف ورقة الطبع، فإن ذلك يغرس في قلوب الصبيان بذر الفساد."[5]

وقد ذكر ابن سينا في كتاب السياسة آراء ثمينة في تربية الأولاد ونصح بالبدء بتعليم الطفل القرآن الكريم بمجرد استعداده جسميّاً وعقليّاً للتعليم، وفي الوقت نفسه يتعلم حروف الهجاء والقراءة والكتابة، ويدرس قواعد الدين، ثم يروي الشعر، ويبتدئ بالرجز ثم القصيدة..

وقد أشار ابن خلدون إلى أهمية تحفيظ القرآن الكريم، وأوضح أن تعليم القرآن هو أساس التعليم في جميع المناهج الدراسية في مختلف البلاد الإسلامية، لأنه شعار من شعائر الدين الذي يؤدي إلى رسوخ الإيمان.[6]

اسكت فما معنا أحد:

وخرج الوليدُ بن يزيد حاجّاً ومعه عبدُ الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر فكانا ببعض الطريق يَلْعَبان بالشًطْرَنْج فاستأذن عليه رجل من ثَقِيف فأذِنَ له وسَتَرَ الشطْرَنْج بمنْدِيل، فلما دخل سلم فسأله حاجَتَه؛ فقال له الوليد: أقرأتَ القرآن؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين! شغلتني عنه أمورٌ وهَنَات. قال: أفتعرف الفِقْه؟ قال: لا. قال: أفَرَوْيت من الشَعر شيئاً. قال: لا. قال: أفعلِمتَ من أيام العرب شيئاً؟ قال: لا. قال: فكَشَفَ المِنديل عن الشَطْرَنْج وقال: شاهك. فقال له عبد الله بن معاوية: يا أمير المؤمنين! قال: اسْكُت فما معنا أحد."[7]
ويقصد الوليد من كلامه (اسكت فما معنا أحد) أن الذي لم يقرأ القرآن،ولم يعرف الفقه، ولم يرو الشعر، ولم يدرس الدين.. يكون كالعدم لا وجود له ولا اعتبار، وإن كان موجوداً بشخصه وحاضراً بذاته!!..

التعليم في الطفولة:

ومن القواعد التي وضعها الإسلام في تعليم الولد.. البدء بتعليمه في مراحل الطفولة الأولى حيث يكون الولد أصفى ذهناً، وأقوى ذاكرة، وأنشَط تعليماً..

فعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ نَافِعٍ,وَهُوَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ قَالَ: "الْعِلْمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ"
قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
مَا الْحِلْمَ إِلَّا بِالتَّحَلُّمِ فِي الْكِبَرِ وَمَا الْعِلْمُ إِلَّا بِالتَّعَلُّمِ فِي الصِّغَرِ
وَلَوْ ثُقِبَ الْقَلْبُ الْمُعَلَّمُ فِي الصَّبَا لَأَلْفَيْتَ فِيهِ الْعِلْمَ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ[8]

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نَفْطَوَيْهِ لِنَفْسِهِ:
أَرَانِيَ أَنْسَى مَا تَعَلَّمْتُ فِي الْكِبَرْ وَلَسْتُ بِنَاسٍ مَا تَعَلَّمْتُ فِي الصِّغَرْ
وَمَا الْعِلْمُ إِلَّا بِالتَّعَلُّمِ فِي الصِّبَا وَمَا الْحِلْمُ إِلَّا بِالتَّحَلُّمِ فِي الْكِبَرْ
وَلَوْ فُلِقَ الْقَلْبُ الْمُعَلَّمُ فِي الصِّبَا لَأُلْفِيَ فِيهِ الْعِلْمُ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرْ
وَمَا الْعِلْمُ بَعْدَ الشَّيْبِ إِلَّا تَعَسُّفٌ إِذَا كَلَّ قَلْبُ الْمَرْءِ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرْ
وَمَا الْمَرْءُ إِلَّا اثْنَانِ عَقْلٌ وَمَنْطِقٌ فَمَنْ فَاتَهُ هَذَا وَهَذَا فَقَدْ دَمَرْ

وَقَالَ آخَرُ:
إِنَّ الْحَدَاثَةَ لَا تُقَصِّرُ بِالْفَتَى الْمَرْزُوقِ ذِهْنَا لَكِنْ تُذَكِّي عَقْلَهُ فَيَفُوقُ أَكْبَرَ مِنْهُ سِنَّا

وَقَالَ آخَرُ:
إِذَا مَا الْمَرْءُ لَمْ يُولَدْ لَبِيبًا فَلَيْسَ بِنَافِعٍ قِدَمُ الْوِلَادَةْ[9]
وقد أثبت علم التربية الحديث هذه الظاهرة وأكدها.

[1]- حلبي، عبد المجيد طعمه، التربية الإسلامية للأولاد منهجاً وهدفاً وأسلوباً، ص 194.
[2]- سهام مهدي جبار، الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، ص 382-383.
[3]- علوان،عبد الله ناصح، تربية الأولاد في الإسلام،جـ1/ 270-271.
[4]- أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 37).
[5]- إحياء علوم الدين - (2 / 272).
[6]- تربية الأولاد في الإسلام لعلوان - (1 / 206).
[7]- عيون الأخبار - (1 / 184).
[8]- الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ (818) صحيح.
[9]- جَامِعُ بَيَانِ الْعِلْمِ >> بَابُ فَضْلِ التَّعَلُّمِ فِي الصِّغَرِ وَالْحَضِّ عَلَيْهِ (388).