حقيقة كون اللغة واحدة ذات أساس ومرجعية تاريخية ثابتة أما اللهجات الموجودة في الواقع فهي نتيجة طبيعية للعزلة التاريخية والانقسامات الدينية التي رسخت الشرخ الطائفي بين أبناء الأمة الواحدة، واللهجات بشكل عام موجودة في معظم اللغات الحية وفي جميع أصقاع الأرض ولا تخلو لغة من لهجات عامية تختلف من بلد لآخر ويصل الاختلاف أحياناً إلى حد تعذر فهم لغة الشخص الآخر من نفس القومية كما هو الحال في اللغة العربية حيث نجد صعوبة بالغة في فهم اللهجة العربية للجزائري أو المغربي أو الموريتاني أو الصومالي.
إن تجاهل كل هؤلاء المستشرقين والمستغربين لمسألة الازدواج اللغوي أي وجود العامية والفصحى في حقيقتها الراهنة في العالم المعاصر و إلصاقها بالعربية فقط هو صرف للقضية في غير مسارها الحقيقي، فالازدواجية ظاهرة عامة لها أصولها ومقوماتها النفسية والاجتماعية وليست ذات صبغة مرضية كما يحاولون تصويرها إذا تكلموا عن العربية، وكأنها انفردت من بين لغات البشر بهذه الازدواجية.
وعلى كل حال فان من المبالغة أن نتصور أن هناك ذلك البون الشاسع المتوهم بين عاميتنا وفصحانا خاصة بعد أن خطا التعليم بالناس خطوات واسعة نحو الفصيحة في سائر الدول العربية...
وما حدث تجاه مسألة الازدواجية من تهافت أدلة أولئك الشعوبيين حدث تجاه المسائل الأخرى التي باتت مفضوحة الارتباطات كالدعوة إلى الكتابة باللاتينية التي بلغت حداً من التهافت والسخف جعل أصحابها موضع تندر قبل أن يكونوا جديرين بالرد والنقاش!
ولكن هل انهزم أعداء العربية؟؟؟
إنهم يعرفون أن هدم ذلك البناء الشامخ غير ممكن ولا ميسر لذلك فانه يكفيهم في كل مرحلة أن يخربوا بعض أطرافه ويقلعوا بعض أحجاره لعله يتاح لهم في المستقبل دك أعمدته وتخريب أساسه.
لغة مختصرة موجزة:
والإيجاز في العربية على أنواع ، فمنها الإيجاز في الحرف، حيث تكتب الحركات في العربية عند اللبس فوق الحرف أو تحته بينما في اللغات الأجنبية تأخذ حجماً يساوي حجم الحرف أو يزيد عليه.
وقد نحتاج في اللغة الأجنبية إلى حرفين مقابل حرف واحد في العربية لأداء صوت معين كالخاء (KH) مثلاً ولا نكتب من الحروف العربية إلا ما نحتاج إليه.
وفي العربية إشارة نسميها (الشدة)، نضعها فوق الحرف لندل على أن الحرف مكرر أو مشدد، أي أنه في النطق حرفان، وبذلك نستغني عن كتابته مكرراً، على حين أن الحرف المكرر في النطق في اللغة الأجنبية مكرر أيضاً في الكتابة على نحو (flapper) و (recommendation).
ونحن في العربية قد نستغني كذلك بالإدغام عن كتابة حروف بكاملها، وقد نلجأ إلى حذف حروف، فنقول ونكتب ( عَمَّ ) عوضاً عن (عن ما) و (مِمَّ) عوضاً عن (من ما) و (بِمَ) عوضاً عن (بما) ومثلها (لِمَ) عوضاً عن (لِما).
الإيجاز في الكلمات:
وبمقارنة كتابة بعض الكلمات بين العربية والفرنسية والإنكليزية نجد الفرق واضحاً :
العربية وحروفها ... الفرنسية وحروفها ... الإنكليزية وحروفها
أم 2 ... mère 4 ... mother 6
أب 2 ... père 4 ... father 6
أخ 2 ... frère 5 ... brother 7
ومن الإيجاز حالي التثنية و الجمع:
الباب البابان - البابين les deux portes the two doors
الباب البابان - البابين les deux portes the two doors
الإيجاز في التراكيب:
والإيجاز أيضاً في التراكيب، فالجملة والتركيب في العربية قائمان أصلاً على الدمج أو الإيجاز.
ففي الإضافة يكفي أن تضيف الضمير إلى الكلمة وكأنه جزء منها:
ففي الإضافة يكفي أن تضيف الضمير إلى الكلمة وكأنه جزء منها:
كتابه son livre كتابهم leur livre
وأما في الإسناد فيكفي في العربية أن تذكر المسند والمسند إليه بلا رابطة ملفوظة أو مكتوبة، فنقول مثلاً (أنا سعيد) على حين أن ذلك لا يتحقق في اللغة الفرنسية أو الإنكليزية، ولا بد لك فيهما مما يساعد على الربط فتقول:
(je suis heureux) ،(I am happy)
فمثلاً سورة (الفاتحة) المؤلفة في القرآن من 31 كلمة استغرقت ترجمتها إلى الإنكليزية 70 كلمة.
والنفي أسلوب في العربية يدل على الإيجاز:
العربية: (لم أقابله)، الإنكليزية: (I did not meet him)
الفرنسية: (Je ne l’ai pas rencontré)
العربية: (لن أقابله)، الإنكليزية: (I will never meet him)
الفرنسية: (Je ne le rencontrerai jamais)
وهكذا نرى أن العربية في عصرنا الراهن عاشت مرحلة صراع دام ضد القوى الخفية والظاهرة ومع ذلك فلا تزال تمارس وظيفتها السياسية والقومية في حفظ الوحدة اللغوية، كما تمارس وظيفتها في الحفاظ على الشخصية العربية والتاريخ العربي والإسلامي.
التسميات
لغتنا