القرن الأفريقي والتأثير العربي.. استغلال مكافحة الإرهاب لإعادة الاستعمار العسكري والسيطرة الأجنبية على مصالح القرن الأفريقي



العرب لا محالة معنيون بكل غاشية تغشى القرن الأفريقي بحكم ارتباطهم به أمنياً، وثقافياً، واقتصادياً، ومن المفترض أن يكون لهم اهتمام بكل ما تشهده ساحة القرن الأفريقي من صراعات ونزاعات أيّاً كانت طبيعتها، ولكن بما أن العرب في وضع لا يحسدون فيه من حيث التفرق، وانزواء كل دولة من دولهم في حدود ذاتها مغلقة عليها بابها من الطبيعي أن يقضى الأمر في غيابهم جميعاً، أو أن يكون صوتهـم خافتاً ووجودهم باهتاً.
نعم! ثمة تحرك عربي شوهد من بعض الدول العربية كمصر، والسعودية، وقطر، وأيضاً ليبيا للأسهام في حل نزاعات القرن الأفريقي، ومثل هذا التحرك وإن كان تعبيراً عن إدراك أهمية القرن الأفريقي للأمن العربي إلا أنه من الصعب جداً أن يكون أكيد المفعول، وبالغ التأثير ما لم يتسم بالمتابعة الجادة ليخدم فقط مصالح الاستراتيجية العربية، وإلا لن يفلح في توجيه المسار وفق مقتضيات الاستراتيجية العربية إن كان لهذه الاستراتيجية وجود فعلي، أو في قطف ثمار أي طارئ سياسي إيجابي من الممكن أن يشهده القرن الأفريقي، بل على العكس ربما جلب الضرر، وحيث أن غالب السياسات العربية لا تنطلق من دراسات تقدمها جهات متخصصة، ولا تنطلق أيضاً من استراتيجية أمنية موحدة من الطبيعي أن تكون دون مستوى السياسة الإسرائيلية في التأثير، وأن تأتي التحركات العربية في القرن الأفريقي ـ كما في غيرها ـ على غير تناسق فيما بينها، وأن نرى لكل بلد عربي موقفاً مغايراً لموقف الآخر كل حسب قبلته السياسية، هذا ما كانت عليه السياسة العربية فيما قَبْل الهيمنة الأمريكية ـ يوم كان العرب موزعين على المعسكرين ـ وهي اليوم على ما كانت عليه، بالإضافة إلى اشتداد حالة الهزال السياسي في الجسم العربي والذي لا يمكّنهم من اتخاذ قرارات ورسم سياسات تتجاهل، أو تتنافس، أو تتزاحم مع إرادة وسياسات الولايات المتحدة باعتبارها القوة التي لا يعصى لها أمر، ولا يؤمن منها جانب إذا ما زوحمت، ونوفست في تخطيط مناطق نفوذها الاستراتيجي، وكل العرب اليوم يخطبون ودّها، فأنى لهم منافستها؟ أو تجاهل خططها بوضع سياسات تنبع من المصلحة العربية الصرفة!. وإزاء هذا الواقع التعيس فإنه لا معنى لأن يقف العقيد (معمر القدافي) مخاطباً الشعب الإرتري في أول زيارة له في 5 فبراير 2003 م لإرتريا بقوله: «من مصلحة إرتريا أن تكون عضواً في المؤتمر الإسلامي، والجامعة العربية مثلما هو الحال بالنسبة لجيبوتي، والصومال، والسودان..»، وداعياً إلى عدم ترك «فراغ في القرن الأفريقي تملؤه القوة الأجنبية» مشيراً إلى أن: «هناك مخاوف من استغلال ما يسمى بمكافحة (الإرهاب) بإعادة الاستعمار العسكري، والسيطرة الأجنبية مرة أخرى على مصالح القرن الأفريقي».
هذا الكلام من (العقيد القدافي) مهما كان في حد ذاته صحيحاً لا يعني في النهاية شيئاً سوى أنه مجرد كلام لا معنى له ما لم ينطلق من استراتيجية واحدة، ولا تأثير له والصف العربي يعاني من حالة التعثر والتبعثر، والتشوش في الرؤية، والربك في الخطاب السياسي؛ فهل ثمة أمل قريب يلوح في الأفق يبشر ببزوغ فجر عربي جديد يكون للعرب فيه قول الفصل ليس في شؤون القرن الأفريقي فحسب وإنما أيضاً في كل ما يمس شأنهم الأمني، والاقتصادي، والسياسي من السياسة الدولية؟ ذلك ما نرجوه، ولعله يكون قريباً.


المواضيع الأكثر قراءة