المشكلات المجتمعية والتفسخ الأخلاقي للحضارة الصناعية وحماية المؤسسات المتصلة بقاعدة المجتمع الصناعي المهتم بالإنتاج الكثيف

إن قائمة المشكلات التي تجابه مجتمعنا، لا نهاية لها، ونحن نعاني من التفسخ الأخلاقي لحضارة صناعية، شبه ميتة، نرى فيها المؤسسات تنهار واحدة بعد أخرى، بسبب قلة النجع والفساد المتشابكين تشابكاً عنيفاً.

وهكذا فإن الجو العام يميل إلى الجفاف والمطالبة بتغييرات سياسية.
وكان لدينا رد على كل هذا البؤس، آلاف من الاقتراحات التي تحسب كلها أنها"أساسية"، بل وثورية أيضاً.

ولكن يبقى أولاً وأخيراً أن القواعد، والقوانين، والتنظيمات الجديدة، والخطط والممارسات المقدر أنها ستحل مشاكلنا -تحمل في طياتها، باستمرار، آثار ردود الفعل المتبادلة، ولا تؤدّي إلا إلى زيادة خطورة الأوضاع، فضلاً عن أنها تغذي الشعور بالعجز، وتقدم الانطباع بأنه ما من شيء سليم في حياتنا.

وما لم نبرهن على أن لدينا الشجاعة والخيال الكافيين، فإننا نغامر بأن نقبل بدورنا، أن نوضع في قمامة التاريخ.

وتقدم وسائل إعلامنا الحياة السياسية الأمريكية، كما لو أنها معركة دائمة بين سَيّافي(1) حزبين سياسيين، غير أن الأمريكيين يصبحون أكثر فأكثر انزعاجاً، يعضّهم الإرهاق بأنيابه، ويتضايقون من الصحافة والساسة معاً.

أما السياسة المنحازة، فإنها تبدو لأكثرية الناس مسرح ظلال غير نزيه، ومكلفاً، ومفعما بالفساد. بل إن هؤلاء الأمريكيين يتساءلون أكثر فأكثر: أحقاً يملك اسم الظافر أهميةً ما، مهما تكن قليلة؟(*).

والجواب عندنا هو: بلى، ولكن لا للأسباب التي تقال لنا، ففي عام 1980، كنا نكتب في الموجة الثالثة، ما يلي:

"إن الحادث السياسي الأكبر في زمننا، هو دخول جيشين كبيرين في معركة: أما الأول فهو يدافع عن حضارة: الموجة الثانية، وأما الثاني فهو الذي يزداد قوة، كما لو أنه بطل الموجة الثالثة.

ويتمسك الأول بعناد بحماية المؤسسات المتصلة بقاعدة المجتمع الصناعي المهتم بالإنتاج الكثيف- أي الأسرة النووية، والتعليم الجماهيري، والدولة- الأمة الممركزة، وصيغة للحكم تعتمد على ما يشبه التمثيل الشعبي والنقابات الجماهيرية.

وأما الثاني فإنه يرى أن المشكلات الكبيرة الأهمية المطروحة على عالم اليوم، بدءاً من مشكلة الطاقة، والحرب، والفقر، حتى مشكلة انحطاط البيئة، وانحلال الروابط العائلية، لا تستطيع أن نجد حلاً في إطار حضارة، من النموذج الصناعي.

لكن الحدود بين هذين المعسكرين ما تزال غامضة ومائعة. ولكلٍ منا، نحن جميعاً، رجل هنا، ورجل هناك.. أما المنازعات فتبدو غامضة، دونما علاقةٍ بينهما(أو بينها). وأكثر من ذلك أن هذين المعسكرين يتألفان كلاهما من جماعات عديدة تبحث عن إرواء مآربها، الأنانية الشديدة الضيق، من غير رؤية للكل.

ومن جهة أخرى، ما من واحد من المعسكرين يملك التفرد بالفضيلة، والأخلاق. وهناك أناس شرفاء في الجانبين. بيد أن الخلافات بين هاتين المنظومتين السياسيتين والكامنة وراء السطوح، تظل كبيرة.

(1) السياف: هو الذي يحمل السيف، استعداداً للشر.
(*) الظافر هنا، هو من يظفر بالانتخابات ، ويتولى الحكم.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال