إننا نشهد اليوم، انفصالاً جذرياً، بين التكنولوجيات الجديدة، من جهة، ومفهوم التقدم في المجتمع، في الوقت نفسه، من جهة أخرى، فقد عملت الانطلاقة، بالمشاركة بقوة للحساب الذي يسمح، بعد اليوم، بالمعلوماتية،وعلوم الأحياء، والجزئيات، كما عملت في الوقت نفسه على سرقة الاستقرار العام للنظام التقني بشكل صارخ.
وتصبح السيطرة على هذه المشاهد بالقوة العمومية، أكثر صعوبة فأكثر.
والنتيجة: لقد تكشفت عن عجز المسؤولين السياسيين، عن تقدير التهديدات الخفية بالنسبة لمستقبل الإنسانية، نتيجة التسارع في العلوم التقنية (6). وتمر هنا أيضاً، بالاعتماد على خبراء منتجين يقودون القرارات الحكومية في الظلام.
مستقبل الإنسانية
إن المشاهد للكرة الأرضية، عن بعد، يُفْتَنُ بلونها الأزرق المستحب المبرقع بالأبيض، والمبقع بالغيوم، وبالانطباع عن الثروة والرخاء اللذين تطلقهما. كما يفتن بالإنبات الوافر، وبمباحث الإنبات الغزيرة، وبالحيوانات الآهلة الكثيرة. وقد سيطرت هذه الطبيعة السخية، الفردوسية، الوافرة خلال آلاف السنين. فقد تَغَذّى الكائن البشري، منذ ظهوره، وعاش فيها منذ زمن بعيد، ويتعاطف مع هذه الطبيعة الأم.
لكن، شرع الإنسان، في التدمير المنهج للأوساط الطبيعية منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر، نتيجة الثورة الصناعية، باسم التطور والتقدم. وتلاحقت أعمال النهب والتخريب من جميع الأنواع، محدثة دماراً في التربة والمياه وفي مناخ الأرض.
وجرت الأعمال الحضارية المتسارعة، والقضاء على الغابات الاستوائية، والتسبب في تلوث البحار والأنهار، والقيام بأعمال أدت إلى تسخين الجو، وإفقار طبقة الأوزون، والتسبب بالأمطار الحامضية، هذا التلوث ناتج عن تأثيرات تعرض مستقبل كرتنا الأرضية للخطر بعد اليوم.
من جهة أخرى، أصبح الكائن البشري، بعد اليوم، قادراً على أن يقهر نفسه جينياً. إذ تتسارع المغامرات العلمية، وَتَدَعُنا نستشف اللحظة التي تصبح عمليات تغسيل الجنس البشري، قابلة للمواجهة، أو محل نظر في مواجهتها، بالنسبة للبعض. ولم يتم اجتياز الحدود، للآن، سواء أكانت الأمور المتعلقة بذلك على المستوى الدولي، أم على المستوى الوطني، في مجال الاستنساخ أو التغسيل.
وإن موضوع النعجة دولي (DOLLY)، تلك النعجة المستنسخة، أصبحت اليوم، بالغة سن الرشد، قد برهنت على صحة الاستنساخ في ربيع عام
(1997)، أمام كل من يشك بهذا العمل العلمي، حتى ذلك الوقت.
من جانب آخر، يثير موضوع إيجاد منتجات الذُّرَة أو الصويا المعالجة جينياً، مثلاًَ، العديد من الأسئلة، بشأن الأخطار التي يمكن التعرض لها، في الأسواق العالمية، فلأي هدف؟ ومن أجل من؟ وهل وضعت المعدات والأجهزة العضوية المستخدمة للمنتجات المعدلة جينياً ، تحت الاختبار؟
وهل من الضروري القيام بذلك؟ وهل ذلك معقول؟
ويمكن أن يواجه نصف سكان العالم مشاكل النقص في المياه الصالحة للشرب في عام (2008)، وسينقص الغطاء بالغابات، في مجمل الكرة الأرضية بأكثر من (40%)، في عام (2010) مقارنة بعام (1990).
ويجب على البلدان المصنعة ـ حيث أن الرفاه قائم جزئياً على الإنتاجية الكثيفة، وعلى الاستغلال المفرط للبيئة ـ كما على البلدان النامية، البحث، وبسرعة، عن الوسائل التي تستجيب للحاجات الحالية، دون تعريض قدرات حاجات أجيال المستقبل للخطر، وتلبية حاجاتهم الخاصة.
موسى الزعبي
التسميات
تكنولوجيا