التأثير النفسي للإنسان في الآخرين الحاصل بواسطة الحواس بإدراك أو بغير إدراك حقيقته



تأثير التحدث بصوت جهوري – الثلاثة أساليب المهمة – الإيحاء مباشرة – تموجات الأفكار – قوة الفكر الجاذبة – ما هو الإيحاء – أ ثـنينيـة النفس – الإيحاء المغنطـيسي- الوظيفتان المؤثرة والمتأثرة– ماهية الوظيفتين- الحملان البشرية- الأخان الشريكان- الأخ المتأثر والأخ المؤثر وصفاتهما –الرجل الساذج والرجل الشديد المراس وكيفية تجنب هذا الأخير – لا تكتفي بكلمة ((لا)) جوابا على سؤلك ثابر على الغرض فتظفر به.
سأخصص هذا الفصل والذي يليه في شرح الكيفية التي بها يتسنى للفرد أن يؤثر على غيره أثناء محادثته معه بصوت عال وكيف يجعله يهتم بمشروعاته ويثق من مساعدته وتعضيده وحمايته ، وبالإجمال كيف يؤثر عليه تماما.
كل واحد منا لابد وانه صادف أولئك الأشــخاص ذوي النفوذ وأعجب بتلك القوة الغريبة فيهم ونتائجها ولكنه مع ذلك لم يسع في اكتساب مثلها.
إن فن التأثير على الرجال والنساء متى واجهناهم يشمل جميع وسائط النفوذ الفكري المذكورة في الفصول السابقـة ويرتبط بطـبيعة كل وسيلة منها.
من الصعب التعمق في بيان هذا القسم من التأثير الفكري بغير بيان القسم الآخر من الموضوع المذكور الذي سنشرحه في الفصول التالية فيلزمنا إذن أن نقـتصر على ذكر تلك الأقسام هنا إلى أن يأتي الكلام على كل منها في حينه وحينئذ نشرحها بأوفى بيان.
وأننا نعتقد أن القارئ بعد أن يستوفى قراءة الخمسة عشر فصلا المؤلف منها هذا الكتاب يرجع إلى مطالعة هذا الفصل ثانية فيتجلى له الموضوع بوضوح ويدرك جميع المسائل التي تراءت له أولا غامضة أو مبهمة.
توجد عدة وسائل للتأثير بنفوذه على الناس ـــ ولسهولة تقسيمها نضعها في ثلاث درجات:
الأولـى : بواسطة الصوت وبالمظهر الخارجي وبالعين ـــ بذلك يحصل التأثير الإيحائي.
الثانية : بتموجات الفكر المنبعثة بواسـطة عمل النفس الاختياري على الغرض المرموق.
الثـالثة : بخاصية الفكر الجاذبة الناتجة عن الفكر المنجذب الذي سنتكلم عنه في الفصل التالي. وهذه القوة ، أهم ظاهرات المغنطيسية الحيوانية ، متى تحصلنا عليها واكتسبناها تعمل من تلقاء ذاتها بدون دخل للإرادة في ذلك.
مــن الصــعب جـــدا أن نعـــرف تعـــريفا واضـحا مـــاهــية (الإيحــاء) إذا كان لكم إلمام بأصول الهبنوتزم (التنويم المغنطيسي) و الإيحاء المغنطيسي لأدركتم بسهولة معنى كلمة الإيحاء أو التلقين.
أما الذين ليس لهم هذه المعرفة فنضطر لتعريفها لهم كما يأتي:
((التلقين هو التأثير الحاصل بواسطة الحواس بإدراك أو بغير إدراك كنهه)).
نحن على الدوام مؤثرون أو متأثرون . وبينما تكون خاصية التأثير متعلقة بدرجة استعدادنا التي وصلنا إليها لتلقي التلقين.
فهذه الدرجة أيضا ترتبط  بدرجة نمو الصفات الغير قابلة لتلقين النفس.
نحن لا ندعي هنا تحليل المسألة العامة المشهورة باسم (( أثنينية النفس البشرية )) التي اتخذت أسماء متعددة مختلفة نذكر منها : النفس الفاعلة و النفس المنفعلة ، والنفس المدركة والغير مدركة ، والنفس المريدة والمكرهة، و هلم جرا.
وإذا أراد القارئ الوقوف على هذا الموضوع نشير عليه بمطالعة كتاب  الهبنوتزم  الذي نشرته جمعية المباحث النفسية.  Psychic Research Company
ولكي يدرك القارئ بسهـولة معنى أقوالنا الخاصـة باستخدام التلقين كواسطة للتأثير الشخصي نعرفه أولا أن للنفس البشرية وظيفتين عموميتين ندعوهما الوظيفة الفاعلة أو المؤثرة والوظيفة المنفعلة أو المتأثرة.
فالوظيفة الفاعلة تنتج الفكر الإداري وتظهر بما ندعوه عادة ((قوة الإرادة)).
هذه هي الوظيفة التي تفعل دائما عند الإنسان الحازم القوي النشيط في الأوقات التي يظهر فيها إرادته كلها.
أما الوظيفة المنفعلة فهي تتفكر بالأفكار الغريزية المتواردة عليها بدون دخل لإرادتها فيها وهي بعكس الوظيفة الفاعلة على خط مستقيم.
الوظيفة المنفعلة أعظم خادم للإنسان إذ تؤدي له القسم الأعظم من عمله الفكري وهي التي تقوم بأشق الأعمال بغير مدح أو هجاء تعمل بدون تذمر أو إجهاد ظاهري وبدون كلال.
أما الوظيفة الفاعلة فعلى العكس لا تعمل إلا بضـغـــط الإرادة وتستهلك مقدارا من القوة العجيبة أكبر بكثير مما تستهلكه شقيقتها القوة المنفعلة.
فهي التي تقوم بالعمل الذي تنشط إليه النفس وتجد فيه. يعتريها الكلال بعد عمل مجهد وحينئذ تحتاج إلى راحة.
وان القارئ ليدرك هذا الإعياء قليلا أو كثيرا عند ما يستخدم قوته الفاعلة ولا يشعر بأقل تعب متى استخدم القوة المنفعلة ــ اللينة ــ المطيعة ــ الوديعة.
ــ وأظن أنه بعد هذا التفسير الوجيز أدرك صفتي هاتين الوظيفتين.
يوجد أشخاص تفضل أفكارهم اختيار الوظيفة المنفعلة فهؤلاء الذين يحجمون عن إجهاد الفكر لا يستخدمون سوى أفكار الغير التي يجدونها مهيأة لهم فهم بالحقيقة الحملان البشرية يقبلون ويؤمنون بكل ما ترغب ذكره لهم بصفة قاطعة وبهيئة جدية.
ومن الواضح انهم يكونوا تحت رحمة الأشخاص الأكثر إجهادا و الأظهر عملا إذ يكفي لهؤلاء أن يقولوا لهم عند أمر (( نعم )) فيجارونهم على أفكارهم لو كان يسهل عليهم ذلك أكثر من قولهم ((لا)).
كذلك توجد أشخاص لا يسهل تلقـينهم إلا إذا تركوا لوظيفتهم الفاعلة وقتا من الراحة.
ولكي تلم تماما بدرجة الوظيفتين المذكورتين حتى يتسنى لك استخدام النصائح المدونة بهذا الكتاب نرجوك أن تتفـكر بالفـكر شخصين توأمين اشــتركا في عـمل تجاري.
انهما يتشابهان كنقطتي ماء ولكنهما يختلفان في الصفات ولكل منهما كل الصفات اللازمة لتأدية المهمة التي تحمل مسئوليتها . كما أن لكل منهما نصيبا مساويا للآخر في المكسب والخسارة.
فالأخ المنفعل يراقب وصول البضاعة ويؤشر على الطلبات ويلاحظ ربط وشحن البضاعة ــ بينما أخوه الفاعل يتمم صفقة البيع ويدير حركة العمل والمال ويعلن عن المحل وبالإجمال يمثل في شخصه السلطة التنفيذية التي هي في الواقع روح العمل.
أما فيما يختص بمشتري البضاعة فالأخوان يعملان معا.
الأخ المنفعل طيب القلب ومسالم و أشبه بالآلة على نوع ما.
وهو بطيء الفهم ــ موسوس محدود الإدراك ولكنه كثير الوثوق يعتقد بما تريد أن تذكره له إلا إذا كان ذلـك مخالفا لفكرة سابقة رسخت في ذهنه رسوخا متينا، ولكي تجعله يقبل بفكرة جديدة ينبغي عليك أن تسقيها لـه على جرعات صغيرة متتابعة.
وإذا كان أخوه حاضرا يشاطره آراءه وأفكاره ، وإذا كان غائبا  يشاطر آراء وأفكار الآخرين.
انه دائما محمول على منحك ما تطلبه منه بشرط أن يكون الطلب بحزم وبثقة الحصول عليه. لأنه يخشى أن يهنيك إذا رفض . فيعدك بإجابة الطلب حتى يتخلص من إلحاحك ويتحاشى إهانتك برفضه.
كل ذلك تحصل عليه في غياب أخيه ـــ ولا يلزمك إلا أن تكون ذا مظهر جدي وهيئة صــادقة ـــ وواثقا من نوالك المرغوب كما لو كان كل شيء تم منذ زمن.
أما الأخ الفاعل فهو كالمثل العامي من عجينة أخرى ـــ من نوع الأشخاص الصلبين كالحجر ــ المرتابين بكل شيء النشيطين المجدين في العمل.
يرى من اللازم أن لا يتوانى طرفـة عـين عن أخيه المنفعل لكي لا تتـلـف مصالحهما المشتركة إذ لو تركه لحظـة واحدة بدون مراقبة لأفسد شيئا ولذلك تجد الأخ الفاعل لا يسـتحسـن  أن تقابل أخاه المنفعل مخافة أن تتخذ مـن ضعفه فرصة للإضرار بكليهما . هذا إذا كان لا يعهد  فيك حسن النية.
ولذلك أيضا تراه ينظر إليك فاحصا ليسـتطلع  الغرض من زيارتك قبل أن يدعك في اتصال مع أخيه. وإذا سمح لـك بتلـك المقـابلة يلاحظ عليك كل حركاتك وسكناتك ويسترعى السمع ليقف على ما خفى من غرضك ولـيرصـد أفعالـك.
وما عليك إلا أن تجد الوقت المنـاسب وتـخلـق الفرصة السـانـحة لتظفر بمرادك.
لا يخفى أن النفس البشرية ليست سوى شركة ذات وظيفتين متشابهتين لما ذكرنا إلا أن الشركات ليست كلها على نمط واحد.
فالشريك المنفعل لا يتغير ــ ومع أنه توجد بعض حالات يستطيع  فيها أن يجعل له رأيا مسموعا وقولا مطاعا إلا أنه في الغالب يبقى السامع المطيع وهذه الحالة سببها الدرجة التي وصل إليها الأخ الفاعل.
وبالعكس يوجد فرق عظيم بين الشركاء الفاعلـين للأفراد المتباينين.
فمنهم من هم مثال الفـطنة والنشاط . والـحذق و الكياسة ـــ ومنهم من يتصف بهذه الأوصاف بدرجة أقل مـن تـلـك وتجدهم متسامحين ومتساهلـين كالشركاء المنفعلين.
ومنهم الوسنان ومنهم المتيقظ الحذر وهكذا من مختلف الدرجات وتفاوت الصفات بين لـين وشدة ــ وضعف  و قوة وخمول ونشاط . وبلادة وذكاء.
فيتوقف النجاح على معرفة موطن الضعف في الشريك الفاعل . والثبات في الطلب ــ والمهارة في اكتســاب ثقة ذلـك الشريك بالطريقة التي نجدها المثلى لذلك . ولا تنكص إذا فشلت في بادئ الأمر ــ ولا تقنط من الوصول إلى غرضك بل ثابر على العمل فمن لم يخاطر بشيء لا ينال شيئا كما أن القلب الخائف الوجل لا يربح حب المرأة الجميلة.
وإذا صدقنا المثل القائل أن ما فاز باللذة إلا الجسور . لوجب علينا أن نعلم أن من الناس من يستسلم بسهولة والبعـض بصعـوبة فيجب إذن المثـابرة والثبات لنيل المراد.
لا تكتفي بكلمة (( كـلا )) جوابا على سؤالـك . بل تمشي في الأفعال كما تتمشى مع امرأة جميلة تتحبب إليها فتتدلل عليك وبلا شك انها كلما تجنبت ورفضـت مبادلتها غرامك كلما زدت هياما بها ولم تأبه برفضها مرة وثانية وثالثة.
هكذا أيضا في الأعمال لا تترك ميدان الجهاد معييا إذا لم تنل مبتغـاك من المرة الأولى . إنما الحظ كالمرأة له ما لها من الصفات الجذابة.
التلقينات كلما تكررت زادت قوتها . يمكن للإنســان أن يرفض من الدفعة الأولى مسألة عرضت عليه . ولكنه إذا سمعها مرات متوالية وتكررت على أذنيه يؤدى به الأمر إلى الاعتقاد بها ــ وليس هذا بالغريب لأنك أنت نفسك تعتقد صحتها فلماذا لا يكون الآخر معتقدا بها مثلك. والتلقين كالبذار الذي تتركه في أرض خصبة  ــ فعند عودتك إلى تعهده تجده أثمر الثمر المطلوب.
كذلك باجتذاب الشريك الفــاعل إلـى الاهتمام بقــولك تجعل للشريك المنفعل ( المتأثر ) فرصة للاقتراب منك والإنصات إليك ( إذ من طبعه الفضول ) فيتأمل في حديثك ويسـعـى في المرة الـثـانية لمقابلتك والتحدث معك بالرغم عن احتياطات أخيه الفاعل.
(( الحب متفنن بارع )) ولا ريب في ذلك إذ أنه في حالتنا هذه يجعل الأخ السـاذج المنفعل أهـلا للتحايل على التخلص من رقابة الأخ الفاعل وللوقت يمكنك أن توجـه قـوة التلقين إليه بكيفية تجعلك أن تحصل على أكبر النتـائج الممكنة وأن تحترز من تلقينات الآخرين إليك.
ولحصول التأثير المطلوب على أي فرد تكون لك به صلة أو علاقة ــ لا تجد أمامك قوة التلقين  الذي تخدع بها رقابة الشريك الفاعل فقط بل تجد أيضا مساعدين قــويين وهما تموجات الفكر الصادرة مباشرة من النفس وقـوة الجــذب الفكـري.
ويمكن لهذه القوى أن تنمو بكثرة بواسطة التمرينات التي سنذكرها لك في هذا الكتاب وسنعلمك أيضا الطرق التـي بها تتمكن من اكتساب الصفات المؤهلة لك لتؤثر على الفاعل الذي لا يحكم إلا بحسب صفات  المرء الظاهرة.
بيد أنه يوجد أمر يجب عليك نواله مهما كانت الظروف . ذلك هو الوثوق والاعتقاد من أن فيك الاستعداد التام  لامتلاك ناصية هذا الموضوع.
وهذه ظاهرة مشابهة لما يأتي:
شـاب يريـد أن يتعـلم السباحـة وهو لا يعتقد أن كل الشبان ليسوا كفؤا لتعليم هذا الفن وليس في استطاعتهم تعلمه.
ومنذ الوقت الذي يعتقد في نفسه أنه يستطيع السباحة لابد وأن يسبح والعكس بالعكس إذا خطر بباله أنه لا يستطيع ذلك فمن العبث محاولته السباحة لئلا يغرق.
وهكذا بالتمرين ينبغ في العوم . إنما الشيء المهم هو اعتقاده استطاعته ذلك الأمر.
توجد كامنة فيك قوة التأثير على غـيـرك و لكن ينقصك العلم بها وإيقاظها من رقادها.
وإذا كان يصعب عليك ذلك في بادئ الأمر فلا يعترينك الوهن . بل ثق بالنجاح وثابر على العمل فتكون أعظم من أولئك الذين ينجحون بطريق الصدفة أما أنت فتعلم السبب وما عليك إلا البدء لتجني من الكروم عنبا ومن خلايا النحل شهدا.