يبدو أن نوري المالكي بدأ يواجه مصيره المحتوم ولم تعد مناوراته السياسية تجدي نفعا أمام تفوق منافسه إياد علاوي في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 7 مارس / آذار.
ففي 21 مارس / آذار، رفضت المفوضية العليا للانتخابات العراقية دعوات نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي وزعيم ائتلاف "دولة القانون" لإعادة فرز الأصوات يدويا بعد أن أظهرت النتائج الأولية للانتخابات تقدم منافسه إياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق وزعيم قائمة "العراقية" بعد فرز 95 بالمائة من أصوات الناخبين .
وأكد رئيس مفوضية الانتخابات فرج الحيدري في هذا الصدد أن العد والفرز جرى في جميع مراحله بشفافية عالية وبحضور ممثلي كافة الكيانات المشاركة في الانتخابات والمراقبين الدوليين وشدد على أن إعادة العد والفرز يحتاج إلى أسباب قوية جدا وأدلة رصينة وهذا لم يتوفر ، مشيرا إلى أن موعد إعلان النتائج النهائية هو 26 مارس / آذار.
التصريحات السابقة تؤكد أن مناورة المالكي الجديدة لم تأت بالنتيجة المرجوة ، بل إن انتصار علاوي المرشحة عن قائمة "العراقية" وصفت دعوة المالكي لإعادة فرز الأصوات يدويا بأنها بمثابة "تهديد واضح" للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات بهدف الضغط عليها لإفساح المجال أمام حدوث تجاوزات لصالحه ، مشيرة إلى أن قائمتها قلقة من تأخر إعلان النتائج النهائية .
وما يضاعف من مأزق المالكي في هذا الصدد هو أن مناوراته عشية الانتخابات لم تمنع قائمة علاوي من التفوق عليه ، فمعروف أنه كان وراء قرار استبعاد عشرات المرشحين بزعم ارتباطهم بحزب البعث المنحل من بينهم صالح المطلك رئيس الكتلة البرلمانية لجبهة الحوار الوطني وظافر العاني رئيس كتلة جبهة التوافق البرلمانية السنية .
شراء الأصوات
وبجانب المناورة السابقة، لجأ المالكي أيضا لشراء أصوات الناخبين، حيث اتهم المتحدث السابق باسم جهاز المخابرات العراقي سعد الألوسي رئيس الحكومة بتقديم أسلحة وأموال نقدية لزعماء القبائل مقابل أصواتهم .
وكشف الألوسي الذي نقل إلى منصب آخر قبل أسابيع من الانتخابات أنه تم إقرار عقد مع مزود صربي لتقديم ثمانية آلاف مسدس بنهاية 2008 لاستخدامها من قبل المخابرات ، غير أن المالكي رفض العقد في اللحظة الأخيرة وأبرم عقدا خاصا به لتوفير عشرة آلاف مسدس لاستخدامها في حملته الدعائية لانتخابات 2010 .
ورغم نفي المتحدث باسم الحكومة العراقية صحة تصريحات الألوسي وزعمه أنها كانت هدايا منحت للقبائل لمشاركتهم في الحفاظ على الأمن ولا علاقة لها بالحملة الانتخابية ، إلا أن صحيفة "الجارديان" البريطانية نشرت صورا للمالكي وهو يقدم المسدسات لمؤيديه في جنوب العراق.
ويبدو أن الاستفزازات السابقة جاءت بنتيجة عكسية تماما ، حيث كشفت تقارير صحفية أن نسبة مشاركة السنة في انتخابات 7 مارس بلغت حوالي 80 بالمائة ، فيما بلغت نسبة مشاركة الشيعة 40 بالمائة فقط وهو الأمر الذي زاد من حظوظ قائمة علاوي .
فمعروف أن رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي نجح في بناء تحالف سياسي كبير يمثل جميع الفئات في العراق وخاصة السنة ، ما شكل تهديدا واضحا لفرص نجاح "ائتلاف دولة القانون" الذي يتزعمه المالكي.
ولم يقف الأمر عند ما سبق ، حيث ضم تحالف علاوي رموزا سنية بارزة كنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وقائمته (تجديد) الذي انشق عن الحزب الإسلامي ، كما ضمت القائمة كلا من حركة الوفاق برئاسة علاوي وجبهة الحوار الوطني التي يرأسها صالح المطلك وتجمع عراقيون الوطني برئاسة أسامة النجيفي والجبهة التركمانية العراقية برئاسة سعد الدين اركيج وتيار الوسط المحافظ برئاسة عبد الكريم ماهود وكتلة جبهة التوافق البرلمانية السنية بقيادة ظافر العاني والحركة الوطنية للإصلاح والتنمية بقيادة كامل كريم عباس وحركة العدل والإصلاح العراقي برئاسة عبد الله عجيل الياور ، وأخيرا تيار الحياة برئاسة اسكندر وتوت .
ورغم استبعاد عدد من مرشحي قائمة "العراقية" ومن بينهم صالح المطلك وظافر العاني على خلفية اتهامهما بالعلاقة مع حزب البعث المحظور ، إلا أن "العراقية" حرصت على أن تطرح شعارا وطنيا وقوميا عاما وأن تبدو في تشكيلتها بعيدة عن أي أساس طائفي وأن تبدو على الطرف المقابل للائتلافات والأحزاب الدينية بل ووصفت بالعلمانية على خلفية تعارضها مع هيمنة الأحزاب الدينية على الرغم من أنها لم تقدم تفسيرا ايديولوجيا محددا للعلمانية.
ويبقى الأمر الأهم وهو أن الاتهامات التي وجهها علاوي للمالكي يبدو أنها لم تكن مجرد دعاية انتخابية فقط وإنما بدت وكأنها تعبر أيضا عن نبض أغلبية العراقيين .
وكان علاوي أكد أكثر من مرة أن الانتخابات لم تجر بالشكل الصحيح وأن عشرات الآلاف من الناخبين قد حرموا من حقهم في التصويت ، كما صرح بأنه في حال فوزه فإنه سيضع على رأس أولوياته تطهير الجيش وأجهزة الأمن العراقية من الفاسدين .
ولم يكتف بما سبق ، بل إنه اتهم أيضا منافسه الرئيس نوري المالكي بالطائفية واستبعد العمل معه في المستقبل ما لم يغير نظرته إلى الأمور.
إقصاء السنة
ورغم أن المالكي زعم مرارا أن قرار هيئة المساءلة والعدالة باستبعاد المئات من الترشح لانتخابات 7 مارس لم يكن موجها ضد السنة، إلا أن الوقائع على الأرض أكدت صحة اتهامات علاوي له بالطائفية.
فمعروف أن المالكي كان في وضع حرج للغاية قبل الانتخابات بسبب استمرار التفجيرات الدامية والافتقار إلى التنمية والوظائف وتفشي الفقر والفساد ولذا فإنه أدرك أن التأييد له ربما يكون أقل من المتوقع ، هذا فيما تزايدت التقارير الصحفية حول إجراء واشنطن سرا محادثات مع البعثيين لضمان أمن قواتها عند الانسحاب ، وأمام ما سبق سارع المالكي للعب بورقة المناهضة للبعث للتغطية على فشله وأخطائه ولمنع عودة أنصار صدام للسلطة مجددا عبر الانتخابات .
ولعل هذا ما ظهر واضحا في صحيفة "الاندبندنت" البريطانية التي كشفت في تقرير لها أن الحديث عن اختراق البعثيين السابقين لانتخابات 7 مارس يخفي قضايا معقدة أخرى يواجهها العراق ، قائلة :" رغم نفي رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي أن يكون قرار إقصاء البعثيين عن الانتخابات يستهدف السنة وتأكيده أن معظم الممنوعين من الانتخابات هم من الشيعة فإن معظم السياسيين المهمين المدرجة أسماؤهم على القائمة السوداء هم من السنة ".
وجاء في التقرير أيضا " زعم المالكي بأنه يلاحق فقط أعضاء البعث السابقين يوضح مدى هيمنة عملية التطهير على الانتخابات ، فقد اتسعت رقعة الحظر على المرشحين لتشمل ألفا من المسئولين العسكريين والأمنيين في المحافظات إلى جانب الـ500 الذين أعلن عنهم ".
وتابع " اللافتات والشعارات في مختلف أنحاء بغداد والتي كانت شيعية في أغلبها دعت إلى عدم عودة المجرمين البعثيين والانتقام من البعثيين الذين قمعوا الشيعة ولم يكن هناك من اللافتات ما تتحدث عن البطالة والكهرباء والخدمات المختلفة إلا القليل ، حتى إن الصحف ومحطات الإذاعة والتليفزيون كانت تعج بتغطية بما أسمتها مؤامرات حزب البعث المنحل".
وبجانب ما ذكرته "الاندبندنت" ، فإن هناك من أشار إلى أن أصل الضجة حول تطهير البعثيين يكمن في الانقسامات السياسية داخل الأغلبية الشيعية وكذلك الخوف الحقيقي من عودة المؤيدين للرئيس الراحل صدام حسين ، فمخاوف المالكي من نجاح التحالف الوطني العراقي وهو الائتلاف المؤلف من أحزاب دينية شيعية ومعارضين له في استقطاب الأصوات الشيعية هو الذي دفعه للعب بورقة المناهضة للبعث ، هذا بالإضافة إلى سعيه لإضعاف الائتلاف القومي العلماني الذي يدعى "العراقية" بقيادة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي .
وأيا كانت حقيقة اللعب بورقة مناهضة حزب البعث فإن المثير للانتباه أن استخدامها لم يحسن وضع المالكي بل أضعف شعبيته أكثر وأكثر وهذا ما ظهر واضحا في النتائج الأولية لانتخابات 7 مارس والتي أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن المالكي كان لابد أن يدفع عاجلا أم آجلا ثمن الاتهامات بالطائفية والفشل الأمني والفساد.