تحليل موضوع تربوي.. مفهوم التواصل الديداكتيكي وأشكاله والصعوبات التي تواجه المدرس في خلق تواصل تربوي فعال



تحليل موضوع تربوي:

الموضوع:

يتطلع المتعلمون إلى تطوير عملية التواصل داخل أقسامهم، ولكنهم يواجهون من أجل ذلك، صعوبات جمة، تحول دون تحقيق طموحاتهم، ويرجع بعض المربين أسباب ذلك إلى:
1- عوامل ذاتية، تتعلق بمواقف المعلمين أنفسهم، وبطبيعة الأدوار التي يقومون بها خلال عمليات التواصل.
2- عوامل موضوعية، تتصل بالوضعية الديداكتيكية للبيئة الصفية.

أسئلة:

1- حدد مفهوم التواصل الديداكتيكي، مبرزا بعض أشكاله.
2- ما طبيعة الصعوبات التي يواجهها المدرس في خلق تواصل تربوي فعال؟ وإلى أي حد تؤثر في الفعل التربوي؟
3- اذكر أربعة عوامل ذاتية وأخرى موضوعية، محللا دور كل منها، في تحسين مردودية العملية التعليمية، معززا ذلك بأمثلة  من واقع القسم.

مقدمة:

إن العملية التعليمية عملية تواصلية في الأصل، ومن تم فهي تخضع لمجموعة من المحددات التي تخضع لها أية عملية تواصلية أخرى.
لكن هذا لا يمنع من أن بعض مميزاتها تجعل من التواصل فيها ظاهرة تختلف في بعض جوانبها عما يمكن ملاحظته في مجالات أخرى.

فما طبيعة هذا التواصل الذي يصطلح عليه البعض بالتواصل الديداكتيكي، وما هي بعض أشكاله؟
وكيف يؤثر نوع التواصل المعتمد في الفعل التربوي؟
وكيف تساهم مختلف مكونات العملية التعليمية الذاتية والموضوعية في تحسين المردودية؟
تلك هي الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها في التحليل التالي.


1- ما طبيعة هذا التواصل الذي يصطلح عليه البعض بالتواصل الديداكتيكي، وما هي بعض أشكاله؟

- طبيعة هذا التواصل الذي يصطلح عليه البعض بالتواصل الديداكتيكي:

إن التواصل الديداكتيكي هو ذلك التواصل الذي تتم من خلاله العملية التعليمية – التعلمية، هذه العملية تتأسس في عمومها على ركائز أو مكونات ضرورية تتجسد في المدرس والمتمدرس والمنهاج التعليمي، وبحكم أن عملية التواصل عملية دينامية وجدلية، فإن المدرس والمتمدرس يتناوبان على لعب دوري المرسل والمستقبل وذلك بشكل تفاعلي، ويبقى المنهاج ذلك المكون الذي يضم المضمون (الإرسالية) والقناة التي عبرها يتم تبادل الرسائل. وهكذا يكون التواصل الديداكتيكي ذلك الميكانيزم الذي يتم عبره التفاعل بين المدرس والمتدرسين بغية الوصول إلى أهداف تتحدد قبلا.

ويتضمن هذا الميكانيزم حمولة معرفية أي مضمونا هو مجموع الدلالات والمعاني والخبرات والاعلامات التي يود أحد الطرفين المتواصلين إيصالها إلى الآخر، كما يتضمن "وعاء" سيكولوجيا هو مجموع الشحنات الوجدانية والمواقف والاتجاهات والإحساسات التي تصاحب إرسال الرسالة واستقبالها.

ويتفاعل هذان الوجهان ويؤثر بعضهما في بعض، فالخبرة التي يود المدرس نقلها إلى التلاميذ قد يتأثر وصولها إليهم بحسب موقفهم منه، واتجاهاتهم نحو العملية التعليمية وميولهم إلى المادة، وكذلك بتصوراتهم حول موقف المدرس منهم وعلاقته الوجدانية بهم والعكس صحيح.
ولا يقتصر التواصل الديداكتيكي على مجال المعرفة، بل يشمل أيضا مجالات الشخصية الأخرى، كأن يتمحور حول تشكيل قناعات وقيم أو تشكيل مهارات وكفاءات جسمية.

وتبقى ضرورة الإشارة إلى أن مفهوم التواصل يستلزم وجود تغذية راجعة قد يستفاد منها بدرجات تتفاوت من حيث الوظيفة بحسب درجة الوعي بأهميتها.
وتلعب هذه الاستفادة دورا مهما في تصحيح سيرورة التواصل وتقويم اعوجاجه وتفادي سوء الفهم والتفاعل والابتعاد عن حوار الصم.

أشكال التواصل الديداكتيكي:

غير أن التواصل الديداكتيكي ليس نوعا واحدا، فبالإضافة إلى ما تمت الإشارة إليه أعلاه من تنوع من حيث موضوع التواصل (المعرفة، القيم، المهارات)، نلاحظ أن هذا التواصل يمكن أن يكون مباشرا بين المدرس والمتمدرس (أو جماعة المتمدرسين) من دون الحاجة إلى آليات فيعتمد على شروحه وإيماءاته وحركاته أو صمته، وقد يكون غير مباشر تستخدم فيه بعض الأجهزة تمرر عبرها الارساليات.
كما أن التواصل ضمن جماعة الصف يمكن ان يكون لفظيا أو غير لفظي، وقد طرحت في هذا الباب مجموعة من الأبحاث حول دور جسم المدرس وكيفية توظيفه في التواصل التربوي.

ومن منظور آخر يمكن أن نميز بين ثلاثة نماذج من التواصل الديداكتيكي، هي التواصل العمودي السائد في الطريقة التقليدية، حيث يكون المدرس في الغالب مرسلا والتلميذ مستقبلا والعلاقة بينهما علاقة تراتبية عمودية تجسد التصورات التي يحملها كل طرف عن الآخر ومواقفه منه وإدراكاته بموقع ذاته وموقع الآخر، ثم هناك التواصل الفاعل المرتكز على الفرد والذي يبرز ضمن الطرائق الفعالة المرتكزة على آلية التفكير الفردي، حيث يسود الاعتقاد بفعالية المتعلم وضرورة تمتيعه بحرية التعلم وأهمية الدافعية الذاتية، ويبقى التواصل بين المدرس والتلميذ في إطار علاقة ثنائية بالأساس ترتكز على التفريدية انطلاقا من الإيمان بأهمية الفروق الفردية وضرورة مراعاتها في التعلم.

بينما يرتكز النموذج الثالث على الجماعة ، وهذا ما ساد في الطرائق الفعالة المرتكزة على آلية التفكير الجماعي، حيث تتم عملية التعلم ضمن الجماعة بالجماعة، وهذا ما يستلزم تواصلا جماعيا مبنيا على الحوار والنقاش والتشاور.
ولا يحتكر المدرس في النموذجين الأخيرين دور المرسل ، بل يتقاسمه مع التلاميذ انطلاقا من القناعة بأن الدرس شراكة بين من يعلم وذاك الذي يعلم.

2- كيف يؤثر نوع التواصل المعتمد في الفعل التربوي؟

لا أحد من المدرسين يرغب في أن لا يتواصل مع تلاميذه، وألا يكون تواصله معهم إيجابيا لأمرين أساسيين: فهو مضطر بشكل حتمي لأن يتواصل، لأن العلاقة التعليمية هي علاقة تواصلية بالحتم، ولا نستطيع أن نتصور عدم وجود تواصل داخل فصل من الفصول.
ويكون من الخطأ أن نتحدث أحيانا عن انعدام التواصل بين هذا المدرس وتلاميذه، لأنه في الواقع لا يمكن للمدرس ألا يتواصل.
ولما كان لا مفر للمدرس من التواصل، فإنه مضطر أيضا إلى البحث عن أفضل أساليب التواصل حتى تكون علاقته مع الآخرين ضمن جماعة الفصل علاقة مريحة ومفيدة.

إن الإنسان يبحث على الدوام – إلا في حالات مرضية- عن الشعور بالأمن ويهرب من القلق والتوتر ووجود تواصل مريح يمكن أن يحقق هذا الشعور بالأمن.
لكن الطبيعة الدينامية لجماعة الفصل، وكذلك السياق الذي تتم فيه عملية التواصل التربوي، تفرز في كثير من الأحيان مجموعة من الصعوبات والعوائق التي تجعل من هذه العملية عملية غير مريحة دائما، مما يخلق توترات تكبر خطورتها أو تقل بحسب وعي المدرس السيكوسيولوجي ومدى قدرته على توظيف التغذية الراجعة.

من ضمن هذه الصعوبات التي تحد من إمكانية خلق تواصل تربوي فعال، يمكن أن نذكر عدم قدرة المدرس على النزول إلى مستوى تلاميذه، إن نوع التواصل السائد في مدارسنا هو من نوع التواصل غير المتكافئ.
فالتلميذ ليس ندا للمدرس، ومن ثم فشاطئاهما المرتبطان بالتواصل لا يكونا متطابقين.
وكلما ابتعد هذان الشاطئان عن بعضهما، كلما كانت الصعوبات أخطر واكبر، إذ كان من المفروض على الطرفين أن يقلصا من تباعد شاطئيهما هروبا من السقوط في حوار الصم، فإن المدرس بالأساس هو المطالب أكثر بالعمل على تحقيق ذلك.

وهذا ليس من السهولة بمكان، بحكم أن المدرس يعيش مواطنتين، فهو ينتمي إلى عالم الراشدين ومحكوم عليه بالعيش مع عالم الأطفال، وهذه المفارقة تخلق إشكالية وجودية بالنسبة إليه، فإن هو توحد بأطفاله، فقد ذاته كراشد وعجز عن حمل أطفاله إلى المزيد من النضج، وإن هو توحد بعالم الراشدين فقد أطفاله ولم يستطع التواصل معهم، لذا تطرح على عاتق المدرس مهام جسام ووعي كبير.

بالإضافة إلى هذه الصعوبة، يمكن ذكر عائق آخر قد يحول دون إيجاد تواصل تربوي فعال، من ذلك طبيعة المنهاج التعليمي، فاشتماله على أهداف بعيدة عن ميول التلاميذ ووجود مضامين مملة لا تتناسب وطبيعة مرحلته النمائية، وسيادة طريقة وأساليب تعتمد على الإذعان، كل هذا لا يمكن إلا  أن يعيق وجود  تواصل فعال، وأن يؤدي إلى المزيد من السلبية وبروز آليات دفاعية وأساليب المناورة من كلا طرفي العملية التعليمية التعلمية.

وتلعب الإمكانات المادية للمدرسة في كثير من الأحيان دورا بارزا في إعاقة أو تسهيل عملية التواصل التربوي، فوجود الوسائل التعليمية وطبيعة البنية التحتية للمدرسة، يسهل إلى حد كبير عملية التواصل التربوي، خاصة في مجموعة من المواد التي يحتاج فيها التعلم إلى الملاحظة والتشخيص، كما أن طبيعة التسيير الإداري وعلاقة الآباء بالمدرسة، وما يشكلونه من تصورات لدى أبنائهم تجاه المدرس والمدرسة، لا يقل أهمية عما تمت الإشارة إليه، ففي كثير من الأحيان، يلاحظ أن موقف التلميذ من التواصل التربوي يتحدد بنسبة مهمة، انطلاقا من موقف الآباء من العملية التعليمية.

إن هذه الصعوبات ، بالإضافة إلى عوائق أخرى، ترتبط بالحالات الشاذة كبعض الإعاقات الجسدية وغيرها، تؤثر سلبا –كما تبينا- على عملية التواصل التربوي كعملية إعلامية ووجدانية في نفس الوقت، وهذا يرتد طبعا على مستوى التعلم وتحقق أهدافه.

3- كيف تساهم مختلف مكونات العملية التعليمية الذاتية والموضوعية في تحسين المردودية؟

تتأثر مردودية العملية التعليمية التعلمية بمجموعة من العوامل منها ما هو مرتبط بذات المدرس ومنها ما هو موضوعي، وفي كثير من الأحيان، يتداخل ما هو ذاتي بما هو موضوعي بفعل جدلية الظواهر وتركيبتها وتفاعلها.

إن من أهم العوامل الذاتية في خلق تواصل تربوي فعال ، ومن ثم الوصول إلى المردودية المستهدفة، هو وجود موقف إيجابي لدى المدرس من العملية التعليمية.
وهذه مسألة أساسية وتكون مثل هذا الموقف يعتبر شرطا ضروريا للممارسة ولتحسين المردودية.
إن الاتجاه نحو التدريس يختزل مجموعة من الاتجاهات نحو مكونات الفعل التعليمي بل هو ما يحددها جميعا.
فلا يمكن للمدرس أن يكون إيجابيا في عمله، ما لم تكن مواقفه من عملية التدريس إيجابية.

ولعل ما يلاحظ من ترد في المردودية التعليمية، يرجع في جزء كبير منه إلى هذه الأزمة التي يعرفها الاتجاه من مهنة وعملية التدريس بسبب عوامل شتى، وطبيعي جدا أن مدرسا لا يرغب في مهنة التدريس، تكون فعاليته ناقصة وسلبية نظرا لغياب الدافعية لديه، مما يترتب عنه احتراق نفسي يزيد من سلبية اتجاهه نحو ذاته ونحو مهنته.

وهذا يلاحظ داخل بعض الأقسام حيث تسود الأجواء المكهربة ويطغى العقاب الانتقامي والبحث عن كبش الفداء والاستهتار والرتابة.
وهي كلها معطيات لا يمكن أن تحقق المردودية المتوخاة، في حين أن الفصول التي يدرس بها مدرسون يتمتعون بحد معقول من تقبلهم لمهنتهم، غالبا ما تنعدم فيها مثل هذه الظواهر أو تقل إلى درجة يكون تأثيرها ضعيفا.

ويرتبط بهذا الموقف عاملان آخران، هما حب الطفل واحترام شخصيته،و في غياب هذين المحددين لا يمكن لعملية التواصل أن تتم بالشكل الذي يسمح بتحسين المردودية، ذلك أن حب الطفل يجسد الشرط الوجداني للتواصل، في حين أن احترام شخصيته يعني أساسا القدرة على تكييف خطابنا وفق قدراته وإمكانياته، وهو ما يجسد الشرط المعرفي لهذا التواصل، أي مضمونه.

إن الأطفال في الفصول الدراسية حساسون جدا لهذين الشرطين، بحيث نلاحظ أن الطفل الذي لايستشعر انه متقبل من مدرسه، غالبا ما ينفر من المضمون الذي يقدمه هذا الأخير.
فالحب يمنح الشعور بالأمن والثقة في الذات أولا وفي مصدر الحب ثانية، وهذه الثقة ضرورية في إيجاد تواصل سليم ينتج مردودية تنسجم والأهداف المسطرة، وقد أصبحت الدراسات السيكولوجية الآن أكثر اقتناعا بهذا التداخل بين ما هو وجداني وما هو معرفي، معتبرة أن الفصل بينهما في إطار الشخصية فصل لايعكس وحدتها.

وتلعب إمكانات المدرس الديداكتيكية دورا لا يخلو أهمية في الإسهام في تواصل تربوي ناجح، ذلك أن تكوينه البيداغوجي وامتلاكه للميكانيزمات التعليمية يعتبران أمرا مهما في هذا المجال، إذ لا يكفي حب الطفل ومعرفة مرحلته النمائية، بل ينبغي أيضا امتلاك التقنيات الكفيلة بالتواصل التربوي، أي القدرة على النزول بهذه الشحنات الوجدانية والنظرية إلى مجال الممارسة.

فالفعل التعليمي لم يعد حاليا ، مع تطور المعرفة البيداغوجية والعلوم الانسانية ووسائل الاتصال، لم يعد يرتكز على الحدس والتلقائية، بل أصبح عملا مضبوطا ومقننا ومخططا له، وهذا ما يستلزم من المدرس أن يكون مخططا ومقوما ومنشطا، والفصل ليس مجالا  لتعبير المدرس عن مشاعر الحب نحو الطفل أو أن يكون ملما بالمعارف فقط، ولكن أيضا ينبغي أن يكون متمكنا من التقنيات، ومنها تقنيات التواصل، وعلى تلك المشاعر أن تتبلور من خلال تحقيق أهداف المهام التي تتجلى في التعلم وفي كيفية التعلم.

ولكي تتحقق أهداف المهام هذه، لابد من هندستها وتنظيمها، وهذا ما يستلزم دراية وتكوينا ينبغي تجديدهما على الدوام بحكم أن المعرفة البيداغوجية تتطور باستمرار.
ومن ضمن العوامل الذاتية للمدرسين التي تساعد على تحسين المردودية التعليمية هو قدرة المدرس على البحث.

وهذا أمر أصبح يشكل ضرورة في التربية الحديثة، إذ لم يعد المدرس مستهلكا للمقررات والتوصيات والتعليمات، بل أصبح عليه أن يمارس البحث التربوي متخذا من فصله مجالا لرصد الظواهر ووضع الفرضيات وتجريبها، وهو ما يتيح له إمكانية تشخيص العوائق ورصد مكامن القوة، وإيجاد أساليب العلاج للمشاكل والمثبطات.

إن إدخال بعض التقنيات أو الممارسات الحديثة إلى القسم، كلما سمحت الإمكانيات بذلك، وإحداث بعض التعديلات في أساليب التواصل وتقنياته، يمكن أن يخفف من وطأة الرتابة التي تسيطر على فصولنا، وهذه التعديلات ينبغي أن تسبقها بحوث وعمليات رصد للإمكانيات وتخطيط يبعد عن العشوائية التي غالبا ما تؤدي إلى فشل تجارب التعديل ومن ثم اليأس.

فعلى سبيل المثال، يلاحظ لدى كثير من المدرسين كونهم متحمسين في بداية تخرجهم من مراكز التكوين لمبادئ التربية الحديثة ولمعاداة اللجوء إلى العقاب، لكنهم سرعان ما يتخلون عن حماسهم بمجرد فشلهم في التجارب الأولى إزاء أطفال "مشاغبين" أو "غير جادين"، مما يؤدي بهم إلى السقوط في التقليدية واللجوء إلى العقاب كوسيلة للعلاج، ويفلحون مؤقتا في عملية الردع، معتقدين أنهم نجحوا، وتضمحل المبادئ التي حملوها من مراكز تكوينهم، بل تتشكل لديهم قناعات بعدم جدواها، متغافلين أن تجربتهم الأولى كانت تستلزم النفس الطويل، ما أنها كانت في حاجة إلى دعم عملية البحث التي تسائل العوامل والأسباب في بروز هذه الظاهرة أو تلك.

أما على مستوى العوامل الموضوعية، فيمكن تصنيفها إلى عوامل مادية، عوامل بشرية اجتماعية وعوامل بيداغوجية.
وإن كان هذا التصنيف منهجيا من المفروض ألا يغيب التداخل والتفاعل الموجودين بين تلك العوامل.
فعلى المستوى المادي، تلعب البنية التحتية للمؤسسة وإمكانات الفصل، من حيث التجهيزات والوسائل التعليمية دورا مهما في تسهيل عملية التواصل التربوي، ومن ثم تحسين المر دودية التعليمية، إن التواصل يحتاج إلى قنوات ووسائط لنقل الخطاب، وكلما كانت هذه القنوات جيدة وغنية، كلما كان التواصل سليما وناجحا.

كما أن الطبيعة "الايكولوجية" للفصل تخلق أجواء نفسية تتميز بالارتياح، مما يقلص من حالات التو ثر أو الشعور بالكآبة والرتابة.
وبالنسبة للعوامل البشرية والاجتماعية ، فتدخل ضمنها الظواهر التشريعية والمظاهر التسييرية والإدارية، وكذلك علاقات المدرس بالجماعات الأخرى المهتمة بالتلميذ كالأسرة وجمعية آباء وأولياء التلاميذ وغيرها.

وهذه كلها عوامل تلعب دورها في تحسين مرد ودية التعليم. كما أنها تساعد أو تعيق المدرس في خلق تواصل تربوي سليم، إذ كلما كانت إدارة المؤسسة والأسرة متعاونتين، كلما شجع ذلك على خلق تواصل فعال بين الأطراف المعنية، ومن ثم خلق تواصل تربوي داخل الفصل.

وتلعب المعطيات البيداغوجية من أهداف وبرامج وطرائق رسمية وأساليب تقويم، دورا خطيرا في عملية التواصل وتحديد طبيعة المر دودية التعليمية، إذ كلما كانت الأهداف واضحة ومدروسة وعلمية، وكلما كانت البرامج في مستوى المتعلمين وحاجاتهم وميولهم، وكلما كانت الطرائق ترمي إلى عدم الاقتصار على شحن الأدمغة، بل إلى تطوير الشخصية وتعليم التعلم، وكذلك كلما كانت أساليب التقويم هادفة إلى توظيف التغذية الراجعة، كلما وجدت الأدوات البيداغوجية السليمة لإحداث تواصل تربوي إيجابي، ومن ثم المردودية المتحسنة باستمرار.

إن المعطيات البيداغوجية تلعب دورا كبيرا في رسم معالم العملية التعليمية وعلى تحديد أساليب وأشكال التواصل داخل الفصل.
إن العوامل الذاتية والموضوعية التي أشرنا إليها من باب المثال لا الحصر، والتي تؤثر في المردودية التعليمية، هي عوامل متداخلة يصعب الفصل بينها نظرا لأن العملية التعليمية - التعلمية عملية دينامية وجدلية كلية في نفس الوقت، وطبيعتها هذه هي التي تجعل الفصل بين مكوناتها ومحدداتها فصلا منهجيا إلا.