المجاز المركب بالاستعارةِ التمثيلية.. تركيب استعمل في غير ما وضعَ له لعلاَقَة المشابَهة معَ قَرينة مانعة من إِرادة معناه الأَصلي



المجاز المركب بالاستعارةِ التمثيلية [1]:


تعريفُهُ:

هو تركيبٌ استُعْمِلَ في غير ما وُضِعَ له لِعلاَقَةِ المشابَهةِ مَعَ قَرينَةٍ مَانِعةٍ مِنْ إِرادةِ مَعْناهُ الأَصْليّ، بحيثُ يكون كلٌّ منَ المشبَّه والمشبَّه به هيأةً منتزعةً منْ متعددٍ، وذلك بأنْ تشبَّهَ إحدى صورتينِ منتزعتينِ من أمرينِ، أو أمورٍ (بأخرَى) ثم تدخل المشبَّهَ في الصورةِ المشبَّهِ بها مبالغةً في التشبيهِ – ويسمَّى بالاستعارةِ التمثيليةِ.

وهي كثيرةُ الورودِ في الأمثال السائرةِ، نحو: الصيفُ ضيعتِ اللبنَ[2] – يضربُ لمن فرَّط في تحصيلِ أمرٍ في زمنٍ يمكنهُ الحصولُ عليه فيه، ثم طلبَه في زمنٍ لا يُمكنهُ الحصولُ عليه فيه، ونحو: (إني أراكَ تقدِّمُ رجلاً وتؤخِّرُ أخرَى)[3] يضرَبُ لمن يترددُ في أمرٍ، فتارةً يقدِمُ، وتارةً يحجمُ، ونحو: (أحَشَفاً وسوءَ كِيلَةٍ ؟[4]) يضرَبُ لمن يظلَمُ من وجهينِ، وأصلُه أنّ رجلاً اشترى تمراً منْ آخر، فإذا هو رديءٌ، وناقصُ الكيلِ، فقال المشتري ذلك.

ومثل ما تقدم جميعُ الأمثال السائرةِ (نثراً ونظماً) فمنَ النثرِ قولهُم: لمن يحتالُ على حصول أمر خفيٍّ، وهو متسترٌ تحت أمرٍ ظاهرٍ: «لأمرٍ مَّا جُدع قصيرٌ أنفه»[5]، وقولهم: « تجوعُ الحُرّةُ ولا تأكُلُ بثَدْيَيها»[6].

وقولهم لمنْ يريدُ أن يعملَ عملاً وحدَه وهو عاجزٌ عنه: «اليد لا تصفق وحدها»[7] تشبيهاً له باليد الواحدة.
وقولهم لمجاهدٍ عادَ إلى وطنهِ بعد سفر: «عادَ السَّيْفُ إلى قِرَابهِ، وَحلَّ اللَّيْثُ منيعَ غابه »[8] وقولهم لمن يأتي بالقول الفصل: (قَطَعَتْ جَهيزَةُ قَوْلَ كلِّ خَطيبِ)[9]. وهو تركيب يُتَمَثلُ به في كل موطن يؤتَى فيه بالقولِ الفصل.

ومن الشعرِ قولُ الشاعر[10]:
إذا جاءَ موسى وألقى العصا + فقد بطلَ السِّحرُ والساحرُ

وقال المتنبي [11]:
ومَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ + يَجدْ مُرّاً بهِ المَاءَ الزُّلالا

 هذا البيتُ يدل وضْعه الحقيقيُّ على أَن المريضَ الذي يصابُ بمرارة في فمهِ إذا شربَ الماءَ العذبَ وجده مُرًّا، ولكنه لم يستعمله في هذا المعنى بل استعمله فيمن يَعيبون شِعْرَه لعيْب في ذوقهم الشعري. وضعْف في إدراكهم الأدبي، فهذا التركيب مجاز قرينته حالِيَّة، وعلاقته المشابهة، والمشبه هنا حال المُولَعين بذمه والمشبه به حال المريض الذي يجد الماءَ الزلال مرًّا.

[1]- كتاب الكليات ـ لأبى البقاء الكفومى - (ج 1 / ص 139و453 و742و1031 و1215) و البلاغة الواضحة بتحقيقي - (ج 1 / ص 6) وعلم البلاغة الشيرازي - (ج 1 / ص 5).
[2]- أمثال العرب - (ج 1 / ص 51) وفصل المقال في شرح كتاب الأمثال - (ج 1 / ص 357) وزهر الأكم في الأمثال و الحكم - (ج 1 / ص 4) والأمثال لابن سلام - (ج 1 / ص 46) والأمثال للضبي - (ج 1 / ص 2) وجمهرة الأمثال - (ج 1 / ص 2).
[3]- كتاب الكليات ـ لأبى البقاء الكفومى - (ج 1 / ص 413).

[4]- فصل المقال في شرح كتاب الأمثال - (ج 1 / ص 374) وزهر الأكم في الأمثال و الحكم - (ج 1 / ص 194) والأمثال لابن سلام - (ج 1 / ص 49) وشرح ديوان المتنبي - (ج 1 / ص 313) وأدب الكتاب لابن قتيبة - (ج 1 / ص 85) وجمهرة الأمثال - (ج 1 / ص 3).
[5]- زهر الأكم في الأمثال و الحكم - (ج 1 / ص 88) وخزانة الأدب - (ج 3 / ص 191) وحياة الحيوان الكبرى - (ج 1 / ص 498) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 1 / ص 156) و مجمع الأمثال - (ج 1 / ص 283).

[6]- فصل المقال في شرح كتاب الأمثال - (ج 1 / ص 289) وزهر الأكم في الأمثال و الحكم - (ج 1 / ص 166) وجمهرة الأمثال - (ج 1 / ص 64) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 1 / ص 255) ومجمع الأمثال - (ج 1 / ص 53).
 ومعناه: أنَّ الحرة قد يصيبها ألم الجوع وشدة الاضطراب ولا تؤجر نفسها على الإرضاع لتأكل أجر رضاعتها، فتلزم نفسها الاصطبار صونا لنفسها عن الهوان و الابتذال. فيضرب في الحر يصون نفسه عن قبيح المكاسب ولا تمنعه شدة فقره وحاجته أن يلزم صيانته ويحفظ مروءته.

[7]- علم البلاغة الشيرازي - (ج 1 / ص 5).
[8]- جواهر البلاغة للهاشمي - (ج 1 / ص 14) والبلاغة الواضحة بتحقيقي - (ج 1 / ص 6).
[9]- زهر الأكم في الأمثال و الحكم - (ج 1 / ص 197) والمستقصى في أمثال العرب - (ج 1 / ص 120) ونهاية الأرب في فنون الأدب - (ج 1 / ص 262) ومجمع الأمثال - (ج 1 / ص 236).

 أصله أن قوما اجتمعوا يخطبون في صلح بين حيين، قتل أحدهما من الآخر قتيلا ليرضوا بالدية، فبينما هم في ذلك، إذ جاءت أمة يقال لها: جهيزة، فقالت: إن القاتل قد ظفر به بعض أولياء المقتول فقتله، فقالوا: قطعت جهيزة قول كل خطيب: يضرب لمن يقطع على الناس ما هم فيه بجهله.

[10]- الكشكول - (ج 1 / ص 129) والمستطرف في كل فن مستظرف - (ج 1 / ص 30)وعلم البلاغة الشيرازي - (ج 1 / ص 5).
[11]- تفسير أبيات المعاني من شعر أبي الطيب المتنبي - (ج 1 / ص 23) وشرح المشكل من شعر المتنبي - (ج 1 / ص 37) والبديع في نقد الشعر - (ج 1 / ص 65) ومحاضرات الأدباء - (ج 1 / ص 197) وحياة الحيوان الكبرى - (ج 1 / ص 380) وتراجم شعراء موقع أدب - (ج 49 / ص 67).